أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سئل رجل من العرب عن مطر كان بعد جدب فقال: نشأ حملًا سدا، متقاذف الأحضان، محمومي الأركان. لماع الأقراب، مكفهر الرباب، تحن رعوده حنين الطراب، وتزمجر زمجرة الليوث الغضاب، لبوارقه التهاب، ولرواعده اضطراب، فجاحفت صدوره الشعاف، وركبت أعجازه القفاف، ثم ألقى أعباءه، وحط أثقاله، فتألق وأصعق، وانبجس وانبعق، ثم أنجم فانطلق، فعادت النهاء مترعة، والغيطان ممرعة، حيًا للبلاد ورفدًا للعباد.
قال أبو بكر: الحمل السحاب الكثير الماء، والسد الذي قد سد الأفق؛ متقاذف الأحضان يريد النواحي؛ وقوله: محمومي هو مفعوعل من الحمة، وهي سواد تخلطه حمرة يسيرة، والأقراب الخصور، الواحد قرب، والقرب والإطل والكشح والخصر واحد؛ والمكفهر المتراكب، والرباب سحاب تراه كأنه متعلق بالسحاب، الواحدة ربابة؛ وقوله حنين الطراب أراد الإبل النوازع إلى أوطانها، فهي تحن، فشبه حنين الرعد بحنين الإبل إلى أوطانها.
وقوله جاحف أي زاحم، والشعاف رؤوس الجبال الواحدة شعفة، والقفاف جمع وقد قدمنا ذكره وهو الغلظ من الأرض لا يبلغ أن يكون جبلًا، يريد أن أعالي هذا السحاب مطلة على الجبال، ومآخيره على القفاف دانية من الأرض؛ ألقى أعباءه أي أثقاله، يريد الماء، والتألق شدة اللمعان؛ والانبجاس الانفجار بالماء، والانبعاق الصب الكثير في سعة، وقوله أنجم أي أقلع وانقشع والنهاء جمع نهي، وهو الغدير الذي له ناه ينهاه أن يفيض؛ والغيطان جمع غائط، وهو البطن الغامض من الأرض المطمئن، ممرعة مخصبة.
أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت أعرابيًا من غني يذكر مطرًا أصابهم في غب جدب فقال: تدارك ربك خلقه، وقد كلبت الأمحال، وتقاصرت الآمال، وعكف الياس، وكظمت الأنفاس، وأصبح الماشي مصرمًا، والمترف معدما، وجفيت الحلائل، وامتهنت العقائل، فأنشأ الله سحابًا ركامًا كنهورًا سجاما، بروقه متألقة، ورعوده متقعقعة، فسح ساجيًا راكدًا ثلاثًا غير ذي فواق، ثم أمر ربك الشمال فطحرت ركامه، وفرقت جهامه، فانقشع محمودًا، وقد أحيا فأغنى، وجاد فأروى، فالحمد لله الذي لا تكت نعمه، ولا تنفد قسمه، ولا يخيب سائله، ولا ينزر نائله.
أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان شيخ من الأعراب في خبائه، وابنة له بالفناء إذ سمع رعدًا فقال: ما ترين يا بنية؟ قالت: أراها حواء قرحاء كأنها أقراب أتان قمراء؛ ثم سمع راعدةً أخرى فقال: كيف ترينها؟ قالت: أراها جمة الترجاف، متساقطة الأكناف، تتألق بالبرق الولاف، قال: هلمي المعزقة وانأي نؤيًا.
قال أبو بكر: حواء سوداء إلى الحمرة كلون الفرس الأحوى، قرحاء يريد أن البرق في أعاليها فكأنها قرحاء مثل الفرس الأقرح، والأقراب الخصور، شبهها ببطن الأتان القمراء، والقمرة بياض كدر، جمة كثيرة، والترجاف الاضطراب، والاكناف النواحي، تقول: قد استرخت نواحيها لكثرة مائها؛ والبرق الولاف الذي يبرق برقتين متواليتين، وهو لا يكاد يخلف، والمعرفة المسحاة، والنؤي تراب يجمع حول البيت لئلا يدخله المطر.
أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: وقف أعرابي على أبي المكنون النحوي وهو في حلقته، فسأله فقال: مكانك حتى أفرغ لك، فدعا واستسقى فقال: اللهم ربنا وإلهنا ومولانا، صل على نبينا محمد، ومن أرادنا بسوء فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد بترائب الولائد، ثم أرسخه على هامته كرسوخ السجيل على أصحاب الفيل، اللهم اسقنا غيثًا ثريًا طبقًا مريعًا مجلجلًا مسحنفرًا، هزجًا سحًا سفوحًا غدقًا مثعنجرًا، قال: فولى الأعرابي مدبرًا، فقال له: مكانك حتى أقضي حاجتك، فقال: الطوفان ورب الكعبة! حتى أأوي عيالي إلى جبل يعصمهم من الماء! قال أبو بكر: الطبق المطر الذي يطبق الأرض، والمريع الذي يمرع أي يخصب، والمجلجل: الذي تسمع لرعده جلجلةً أي صوتًا وهدةً، والمسحنفر الجاري، والسح الصب، والسفوح المنسفح، والغدق الكثير الماء، والمثعنجر الجاري حتى يملأ الأرض.
أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي، وأخبرنيه أبو عثمان عن التوزي عبد الله بن هارون عن من حدثه قال: مررت بغلمة من الأعراب يتماقلون في غدير، فقلت لهم: أيكم يصف لي الغيث وأعطيه درهمًا، فخرجوا إلي وقالوا: كلنا يصف، وهم ثلاثة، فقلت: صفوا، فأيكم رضيت صفته أعطيته الدرهم، فقال أحدهم:
1 / 3