ويُحتمل عندي أن المراد بالإعْجام في ذلك نَقْطُ أبى الأَسْود الدُّؤَلى (١) المذكور في قولهم: (أول من نَقَط المصحف هو الدُّؤَلى)، وهو الشَّكْل، فإِنه أَوَّل مَن وضعه على ما يأتى إِن شاء الله تعالى في الخاتمة (٢) وربَّما يُومِئُى إِلى ذلك قولُ (القاموس): "وحروف المعْجَم -أي الإِعْجام- مصدر كالمُدخَل، أي ما من شأنه أن يُعجم" اهـ (٣).
وعلى كُلٍ لا يُقال حروف المعجم على غير العربية.
وأما الاسم المشترك بين العربية وغيرها من الكتابات الاثْنَتَىْ عَشْرةَ فهو "حروف الهجاء"، أو "أَلفْ باء"، لأنها في كل اللغات مبدوءة بها، ما عدا الحَبَشيَّة على ما قيل.
ولقد أحسن الإِشارةَ إِلى الحِكْمة في ذلك يحيى بن زَبادة (٤) في معرضِ النصح حيث قال:
أَلِفُ الكتابِة وَهْو بعضُ حُرُوفِها ... لمَّا اسْتَقَامَ على الجميع تقَدَّما (٥)
_________
(١) ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني، واضع علم النحو. كان معدودًا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء. وهو من التابعين. ولي خلافة البصرة في خلافة عليّ ابن أبي طالب، وشهد معه صفّين وهو -في أكثر الأقوال- أول من نقط المصحف، وفي صبح الأعشى: أنه وضع الحركَات والتنوين لا غير. وله شعر جيد في ديوان. توفي بالبصرة سنة ٦٩ هـ (من مصادر ترجمته: طبقات النحويين واللغويين ص ٢١ - ٢٦، نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص ١٧ - ٢٢، وفيات الأعيان جـ ٢ ص ٥٣٥، صبح الأعشى جـ٣ ص ١٦١، إِنباه الرواة جـ١ ص ١٣ وغيرها).
(٢) راجع بداية من ص (٤٠٢).
(٣) القاموس المحيط - باب العين، فصل الميم (عجم).
(٤) هو يحيى بن سعيد بن هبة الله الشيباني، أبو طالب، قوام الدين، ابن زبادة، له نظم جيد ومشاركة حسنة في علوم الدين. وانتهت إِليه المعرفة في أمور الكتابة والإِنشاء والحساب في عصره، وكان من الأعيان الصدور. أصله من واسط ومولده سنة ٥٢٢ هـ في بغداد، وبها توفي سنة ٥٩٤ هـ. وقد خدم ديوان الإِنشاء ببغداد طول حياته. (له ترجمة في وفيات الأعيان جـ٦ ص ٢٤٤ - ٢٤٩، معجم الأدباء جـ٧ ص ٢٨٠. وانظر الأعلام جـ٨ ص ١٤٨).
(٥) البيت من بحر الكامل، ولم أصل إِلى موضعه من كتب الأدب واللغة.
1 / 46