فعُدُول المرءِ عنها ... أبدًا عينُ الصوابِ
ورأينا بهذه العقبة أشجار صنوبر كالسواري، يُتَّخذ منها أعظم ما يكون من الصواري، والبعض منها ساقط منعجر كأعجاز نخل منقعر كما ضرب به النبي الصادق مثل هلاك المنافق. وفي وداتها ماء يجري من الثلج، يتكسر ويفج من كل فج، وبها مكان بين جبلين منتصبين كالجدارين لا يدرك الطرف أعلاهما ولو احتد، ولا يرقى مبلغ الطير أدناهما ولو اجتهد وجدّ، يجري بينهما ماء كثير عذب زلال ثجاج نمير وبه نسيم يداوي السقيم، ونبت أريج من كل زوج بهيج، فيا له من منظر ما أبهاه وأحسنه وأفرجه وأزهاه، يرتقى منه إلى سفح أحدهما في عقبة كؤود، ذات صخرات سود، ومسالك لا تتسلق فيها القرود، ولا يمر بها الفئران إلاّ وهي في صورة الحيران في غاية الخوف والرجفان. أصعب الطرق والمذاهب، وأحزن السبل على ماش وراكب، فلم نزل نخبط في سهل هذا الجبل ووعره، ونخلط سيرًا ترابه بصخرة، ونشقّ أعطافه شقًا، وندق جنادله بالحوافر دقًا، مكتنفين الفزع ملتحفين الجزع، إلى أن جزمتنا عوامله بالحذف، ومنعتنا علاته من الصرف، وأسفر لنا وجهه العبوس، ومحياه الذي في مشاهدته البؤس، عن مكان واسع، به بعض ماء نابع وربيع مريع رائع، وهناك للوزير بير باشا خان وعمارة وجامع، لكنها الآن خراب مأوى للبوم والحشرات والذئاب، فاسترحنا به ساعة دون أن نحلّ عن الدواب، ثم سرنا إلى منزل به ربيع، وماء عيون جريها ليس بالسريع، فقيلنا به ثم سرنا في ربوات ووهدات وأنهار، حتى انهار جميع بناء ذلك النهار، فحين حان الغروب، وآن
1 / 98