وحدائقُ تشبيكَ وشىُ برودها ... حتى تشبهها شَبائبَ عَبْقَرِ
يجري النسيمُ خلالها وكأنما ... غُمِسَتْ فُضُولُ رِدائه بالعنبر
ومساكن حسنة بأهلها معمورة، وأسواق بجميع ما يحتاج اليه مغمورة، ويتوصل إليها من جسر عظيم على نهر سَيْحَان، ويمر بخلالها وجوانبها هذا النهر كالثعبان، وعليه نواعير تسقي ما هناك من البساتين والغيطان، وهي بمدينة حَمَاة أشبه البلدان، والنهر المذكور هو بسين مهملة مفتوحة ثم ياء تحتية بالسكون ثم حاء مهملة وآخره نون، نهرٌ عظيم يعدُّ من الأنهار الكبار، وهو يقارب في كبره نهر جَيْحَان المار، وهما كما قال النوويّ شيخ الإسلام وقطب الأنام على الإطلاق غير سيحون وجيحون اللذين هما من الجنة بالاتفاق، فنزلنا داخل باب المدينة في مسجد صغير، وبجانبه بئر ماء عذب معين نمير، فاسترحنا فيه ساعة حتى تكاملت الجماعة، ثم دخلت جامعها الكبير وقت المغرب فصليتها فيه والعشاء معًا، واجتمع بي الإمام والمؤذن فسلّما عليّ والتمس كل منا من صاحبه الدُّعاء، ثم سرنا هجمة الدَّيْجُور إلى محل الوطاق بشط النهر المذكور، وهو مكان بديع قد عَذُب ماؤه، وراق روضه ورق هواؤه، وتفسحت مساحاته ومارجت أرجاؤه، وقد أهدى اليه الربيع نوافحه، وأسدى لواقحه، وأسدل ملاحفه، وأسبل مطارفه، وألان معاطفه، وأفاض معارفه، وأصفى ملبسه، ووشى سندسه، وحدّق أحداقه، وأرخى أوراقه:
1 / 91