ووادٍ حَكَى الخَنْسَاَء لا في شجونها ... ولكن له عَيْنَانِ تجري على صَخْرِ
بعلبك
قد بسط الربيع به بسطًا سُنْدُسيّة، ومطارف عَبْقَريّة ترتاح لرؤيتها الأرواح، وترتع النفوس منها في مراتع الارتياح، ثم فارقناه وهو يصفر، ويتبلج وجهه ويسفر، ونحن نحضر في السير ولا نخسر، حتى وصلنا إلى مدينة بَعْلَبَك، وعوض اليقين منها بالشَّك، فنزلنا بها ضحوة النهار على رأس العين، في مكان أفيح مقابلة فلاة مد العين، بها مروج وروضات هي مرتع النواظر ومتنفس الخواطر، قد أخذت أذوات الجنان، وأسفرت عن رَفْرَفٍ خُضْرٍ وعبقري حسان، وأتت من الحسن والإحسان، بما يقصر عن وصفه لسان القلم وقلم اللسان، كما قيل:
إني دخلتُ لبَعْلَبَك فشاقني ... عين بها الظلُّ الظليلُ مخيمُ
فلأجل ذا من أهلها أنا مكرم ... ولأجل عَيْنٍ ألفُ عَيْن تكرمُ
ورأس العين هو مكان كالبركة، ينبع منه ماء ثَجّاج، عذب نمير خصر ليس بمِلْح ولا أُجاج، ويدخل إلى المدينة فيجوب في أكنافها حتى تحس بالري من أظفارها وأطرافها، وبجانب ذلك المكان صفة متسعة، وبالقرب منه مسجد كانت تقام فيه
الجمعة. وتلقانا بهذا المنزل المذكور جماعة من أعْيَان أهل المدينة، وقد رفعت عنهم بواسطة شهر الصَّوم المؤنة، منهم الشيخ الإمام العالم العلامي البهايّ العصيّ
1 / 39