عذب غدق يغدق، فأقمنا به ريثما نستريح، ونزيح علل الرفاق والدّواب ونريح، ثم ترحلنا منه عندما حان وقت الزوال وامتد الظل ومال، وكان ذلك اليوم
أطول من ظل القناة، وأحرّ من دمع المقلاة، وسرنا والقَيْظُ يشتد حَرُّه، والهجير يتلظَّى جمره، إلى أن وافينا وادي الزَّبَدَانيّ، وقد أعرس بالورد وتزين بالعَرَار والرند، واطردت جداوله أي طرد، وفاح نسيمه المنعش للروح بالطيب والبرد، فتلقانا أهله بحُزم الورد النصيبي، وَوَفُر منه ذلك اليوم حظي ونصيبي، وقلت:
جُزْنا بقومٍ كرامٍ ... وافوا بوردٍ نصيبي
فاجزلوا منه حَظّي ... ومنه وفّوا نصيبي
فيا له من وادٍ ما أحلاه وأملحه، وأفسحه وأفيحه وأفوحه، كأن رياضه سماء زُيّنت بالزواهر، أو قباب زمرد رصعت من الدر والياقوت بأنفس الجواهر، أو عذارى تتجلّى في حلل سندسيّة باسطة أكفها للتسليم، أو مهدية أقداحًا ختامها مسك ومزاجها من صفاء التسنيم، فتركنا عشه ودرجنا، وما عجنا على غير المسير ولا عرجنا، فوصلنا قرية صرغايا أصيل ذلك اليوم، فنزلنا في أحسن المنازل بخلاف بقية القوم في أرض خضرة، بين مياه خصرة وأزهار عطرة، وأشجار نضرة، وجورات تميس بقدود الحور، وتتستر بالأوراق تسترها بالشعور، وحمائم تترنم على أعواد الغصون، وتبدي فنون الأشواق والشجون، كما قيل:
تشدوا بعيدان الأراك حمائمُ ... شدوَ القيان عزفنَ بالأعوادِ
1 / 37