118

مصارع العشاق

الناشر

دار صادر

مكان النشر

بيروت

فلما هممت بالرحيل أيقظته فكأنه لم يكن نائمًا، فقام فأصلح رحله فركب وركبت، فقصر علي يومي بصحبته، وسهلت علي وعوث سفري، فلما رأينا بياض قصور اليمامة تمثل: وأعرَضَتِ اليَمامَةُ واشمَخَرّتْ ... كَأسْيَافٍ بأيدي مُصْلِتِينَا. وهو في ذلك كله لا ينشدني إلا بيتًا معجبًا في الهوى، فلما قربنا من اليمامة مال عن الطريق إلى أبيات قريبة منا، فقلت له: لعلك تحاول حاجةً في هذه الأبيات؟ قال: أجل! قلت: انطلق راشدًا. فقال: هل أنت موفٍ حق الصحبة؟ قلت: أفعل. قال: مل معي! فملت معه، فلما رآه أهل الصرم ابتدروه، وإذا فتيان لهم شارةٌ، فأناخوا بنا وعقلوا ناقتينا، وأظهروا السرور، وأكثروا البر، ورأيتهم أشد شيء له تعظيمًا، ثم قال: قوموا إن شئتم، فقام، وقمت لقيامه، حتى إذا صرنا إلى قبرٍ حديث التطيين ألقى نفسه عليه، وأنشأ يقول: لَئِن مَنَعوني في حَياتي زيارَةً ... أُحامي بِها نفسًا تَمَلّكَها الحبُّ. فَلَن يَمنعوني أن أُجاورَ لحدَها ... فيَجمَعَ جِسمَينَا التجاورُ والتُّرْبُ. ثم أن أناتٍ، فمات. فأقمت مع الفتيان حتى احتفروا له ودفناه. فسألت عنه، فقالوا: ابن سيد هذا الحي، وهذه ابنة عمه، وهي إحدى نساء قومه، وكان بها مغرمًا، فماتت منذ ثلاث، فأقبل إليها وقد رأيت ما آل إليه أمره. فركبت وكأنني والله قد ثكلت حميمًا.

1 / 129