مسألة الطائفين للآجري
صفحة ١
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على محمد وآله وأجمعين
أخبرني الشيخ أبو عبد الله المبارك بن علي بن عبد الباقي ابن علي البغدادي بجميع هذا الجزء بقراءتي عليه قال أخبرنا الشيخ الحاجب أبو الحسن على بن محمد ابن العلاف قراءة عليه قال
أنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران قراءة عليه قال
أنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري بمكة قراءة عليه سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة في شوال فأقر به قال
صفحة ١٨
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله على كل حال وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم
أما بعد
فإنك سألت عن قوم يطوفون ويقرؤن القرآن في طوافهم ويجهرون بقراءتهم حتى يغلطوا من يليهم في الطواف ممن يدرس القرآن أو ممن يذكر الله عز وجل بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل فيتأذى بهم كثير من الطائفين بما يجرون بقراءتهم فإذا قيل لهم لا تجهرون بقراءتكم فإنكم تغلطون من يخافت بقراءته وبالذكر لله عز وجل فجوابهم لمن ينكر عليهم الجهر أن يقولوا له نتلوا كتاب الله عز وجل فلم تنكر علينا فأحببت رحمك الله الجواب عن ذلك هل ينكر عليهم أم لا
صفحة ١٩
الجواب وبالله التوفيق يجب على من سمعهم يجهرون بالقراءة في الطواف أن ينكر عليهم و يعظهم ويأمرهم بأن يقرؤوا قراءة يسمعون أنفسهم ويتدبروا ما يتلون من كتاب الله عز وجل
فإن قالوا وما الحجة لك في نهيك إيانا عن الجهر بالقرآن في طوافنا
قيل له دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون في رمضان ويجهر بعضهم على بعض فقال لا يجهر بعضكم على بعض فإن ذلك يؤذي المصلي
وروى على بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء أو بعدها يغلط أصحابه في الصلاة والقوم يصلون
وأنا أذكر الحديث ليتفقه به من يعبد الله عز وجل في طوافه وفي صلاته
1 أخبرنا أبو بكر قال أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال ثنا وهب بن بقية الواسطي قال أنا خالد بن عبد الله الواسطي عن مطرف بن طريف عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء وبعدها يغلط أصحابه في الصلاة والقوم يصلون
صفحة ٢٠
2 أخبرنا محمد بن الحسين قال وثنا أبو بكر محمد ابن الليث الجوهري قال ثنا محمد بن عبيد المحاربي قال ثنا قبيصة بن الليث الأسدي عن مطرف بن طريف عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته في صلاته بالقراءة قبل العتمة أو بعدها والقوم يصلون يغلط على أصحابه
صفحة ٢١
3 أخبرنا محمد قال وأنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفى قال ثنا محمد بن بكار قال ثنا عنبسة بن عبد الواحد القرشي عن محمد بن يعقوب عن أبي النضر عن جابر بن عبد الله قال
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قي رمضان والناس يصلون فقال لا يجهر بعضكم على بعض فإن ذلك يؤذي المصلي
قال محمد بن الحسين فإن قال قائل هذا في الصلاة لا يجهر بعضكم على بعض ونحن في الطواف
قيل له يا غافل اعلم أن الصلاة عبادة والطواف عبادة ولا تحسن العبادة إلا بعلم وعقل
صفحة ٢٢
وقيل له كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون في قيام رمضان فرادى ويصلي الرجل بالرجل والرجلين فكان بعضهم يجهر على من يليه فيغلطه فنهوا عن ذلك وكانوا في سائر السنة يصلون لأنفسهم بين المغرب والعشاء التطوع فيجهر بعضهم على بعض فنهوا عن ذلك لأنه يغلط غيره وقيل لهم اسمعوا أنفسكم وكذلك الطواف عبادة وهو صلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم الطواف صلاة إلا أن الله عز وجل أباحكم فيه الكلام فمن نطق فلا ينطق إلا بخير
صفحة ٢٣
ثم اعلم رحمنا الله وإياك أن الناس في الطواف على وجوه منهم من يقرأ القرآن يسمع نفسه ويتدبر ما يقرأ
ومنهم من يذكر الله عز وجل بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير يعظم الله عز وجل بقلبه وبلسانه
ومنهم من يتفكر في نعم الله الكريم عليه فيشكره عليها
ومنهم من يتفكر في ذنوب بينه وبين الله عز وجل فيستغفر الله عز وجل العظيم منها
فإذا سمعوا من يجهر بالقراءة أذاهم ويغلط عليهم ما هم فيه فنهوا عن ذلك
فينبغي لمن عبد الله عز وجل في صلاة أو طواف أو أي عمل من أعمال البر أن يتعلم كيف يعبد الله عز وجل حتى يحسن عمله ويحبه الله عز وجل ويحبه المؤمنون
ثم أقول ينبغي لمن كان في مسجد الحرام بقرب الطواف وهو يدرس أن لا يجهر بقراءته إذا كانوا يسمعونه كراهية أن يشق عليهم أو يغلطهم بل يخفي قراءته ويسمع نفسه فإن لم يفعل فقد أخطأ بجهره
فإن تباعد عن الطواف إلى موضع إذا جهر بقراءته لم يتأذى به أهل الطواف فلا بأس فإن كان يعلم أن بقربه قوم يصلون النوافل لم يجهر بقراءته خشية أن يغلطهم كما قال النبي صلى الله عله وسلم لا يجهر بعضكم على بعض
هذا جواب هذه المسألة
صفحة ٢٤
مسألة فيمن يتحدثون في الطواف
وسألنا سائل آخر فقال هؤلاء الذين يتحدثون في الطواف ويقبل بعضهم على بعض الإقبال الشافي حتى يشغلون قلوب الطائفين وفهيم قوم من أهل القرآن وفيهم من يشار إليه أنه من أهل الحديث وفيهم من يشار إليه أنه من أهل العلم وفيهم من يشار إليه أنه من المتعبدين
صفحة ٢٥
فقال لنا السائل هل مباح لهم ذلك الجواب وبالله التوفيق اعلم أن الذى ذكرته كما ذكرت وهذا كله خطأ منهم وغفلة عظيمة وقد صاروا هؤلاء الذين هذا نعتهم فتنة على غيرهم فإذا أنكر على من هو دونهم فقيل لهم لا تتحدثون في الطواف فإنه قبيح بالطائف أن يقبل في طوافه على غير مولاه قالوا فلان المقريء وفلان العالم وفلان وفلان يتحدثون في الطواف فلم تنكر علينا نحن فصاروا فتنة لكل مفتون
4 أخبرنا محمد بن الحسين قال ثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال ثنا محمد بن الحسن البلخي قال أنا عبد الله بن المبارك قال سمعت سفيان الثوري يقول
كان يقال تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل ومن فتنة العالم الفاجر فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون
صفحة ٢٦
قال محمد بن الحسين فإن قال منهم قائل فقد أبيح لنا الكلام في الطواف
قيل له قال النبي صلى الله عيه وسلم الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله عز وجل أباحكم فيه الكلام فمن نطق فلا ينطق إلا بخير
صفحة ٢٧
وقيل له من الخير أن يسلم الرجل على الرجل ويسأله عن حاله وأهله أو يأمر الرجل الرجل بمعروف أو ينهاه عن المنكر أو أشباه ذلك مما يعلمه ما قد جهله في طوافه ثم هو بعد ذلك مقبل على الله عز وجل في طوافه يطلب فضل مولاه ويعتذر إليه فمن كان بهذا الوصف رجوت أن يكون ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يباهي بالطائفين وممن قال صلى الله عليه وسلم من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع أخرى إلا كتب الله عز وجل له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة هذا رواه ابن عمر قال ابن عمر وسمعته يقول من أحصى أسبوعا كان كعتق رقبة وممن قال صلى الله عليه وسلم من طاف بالبيت أسبوعا ثم صلى ركعتين أو أربع ركعات كان له كعدل عتق رقبة
قال محمد بن الحسن فمن أحب أن يكون من هؤلاء خشع لله عز وجل الكريم في طوافه وكان شغله بقلبه وبلسانه بالله العظيم متصل وعن غيره من المخلوقين منفصل يمشي بالسكينة والوقار دائم الذكر طويل الفكر تارة يحذر وتارة يرجو إن قال فيما بين الركنين
ﵟربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النارﵞ
قاله بحضور فهم وتذلل وافتقار فمن كان في طوافه بهذا الوصف رجوت أن يجيب الله الكريم دعوته ويرحم عبرته ويباهي به ملائكته وتؤمن الملائكة على دعائه إن شاء الله
صفحة ٢٨
5 أخبرنا محمد بن الحسين قال ثنا أبو سعيد المفضل ابن محمد الجندي في مسجد الحرام قال ثنا صامت بن معاذ قال ثنا عبد المجيد يعني ابن أبي رواد
قال كانوا يطوفون بالبيت خاشعين ذاكرين كأن على رؤوسهم الطير وقع يستبين لمن رآهم أنهم في نسك وعبادة
قال أبي وكان طاوس ممن يرى في ذلك النعت
صفحة ٢٩
قال محمد بن الحسين ومن كان في طوافه بغير هذا النعت ساهي القلب مشغول بذكر الدنيا مقبل على من يحادثه مصغي إليه قد آثر محادثة المخلوق على ذكر الخالق إذا طاف فبغير تمييز وإن ذكر الله عز وجل فبغير تدبر قد غلب على قلبه ولسانه الخوض فيما لا يعني ساهي غافل لاهي جسمه حاضر وقلبه غائب ولعله يرضى محادثة بغيبة الناس والوقيعة في إعراضهم فمثل هذا هو إلى الخسران أقرب منه إلى الأرباح لعل البيت الحرام يضج منه إلى الله عز وجل ولعل الملائكة تتأذى به وكثير من الطائفين يتبرمون به فقد اكتسب من هذا نعته ذنوبا وجب عليه التوبة منها وروي عن عروة بن الزبير قال حججت مع ابن عمر فالتقينا في الطواف فسلمت عليه ثم خطبت إليه ابنته فما رد علي جوابا فغمني ذلك وقلت في نفسي لم يرضني لابنته فلما قدمنا المدينة جئته مسلما فقال لي ما فعلت فيما كنت ألقيته إلي فقلت لم ترد على جواب فظننت أنك لم ترضني لإبنتك قال تخطب إلي في مثل ذلك الموضع ونحن نترآى الله عز وجل ثم قال بلى قد رضيتك فزوجني
6 أخبرنا محمد بن الحسين قال ثنا أبو بكر عبد الله ابن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال ثنا أحمد بن محمد بن أبي بزة مؤذن مسجد الحرام قال ثنا محمد بن محمد بن يزيد بن خنيس قال ثنا وهيب بن الورد قال كنت أطوف أنا وسفيان الثوري بالبيت ليلا فانقلب سفيان وبقيت في الطواف فدخلت الحجر فصليت تحت الميزاب فبينا أنا ساجد إذ سمعت كلاما بين أستار البيت والحجارة وهو يقول يا جبريل أشكو إلى الله ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي من تفكههم في الحديث ولغطهم وسهوهم قال وهيب فأولت أن البيت شكى إلى جبريل عليه السلام
صفحة ٣٠
7 أخبرنا محمد قال وحدثني أبو جعفر محمد بن خالد البردعي قال سمعت علي بن الموفق يخبر عن نفسه أو عن غيره أنه رقد في الحجر فسمع البيت يقول لئن لم ينتهي الطائفون حولي عن معاصي الله لأصرخن صرخة أرجع إلى المكان الذي جئت منه
صفحة ٣١
- * باب ذكر ما يقوله الطائف بين الركن اليماني والركن الأسود
- *
8 أخبرنا أبو بكر قال ثنا أبو جعفر أحمد بن يحي الحلواني قال ثنا لهيثم بن خارجة قال ثنا إسماعيل بن عياش عن حميد بن أبي سويد قال سمعت ابن هشام يسأل عطاء بن أبي رباح عن الركن اليماني وهو في الطواف فقال عطاء حدثني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك فمن قال أسألك العفو والعافية
ﵟربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النارﵞ
قالوا آمين
صفحة ٣٢
9 أخبرنا محمد بن الحسين قال وثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال ثنا الربيع بن ثعلب قال ثنا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس قال
عند الركن اليماني ملك قائم منذ يوم خلق الله السماوات والأرض إلى يوم القيامة يقول آمين آمين فقولوا أنتم
ﵟربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النارﵞ
10 أخبرنا محمد قال أنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي قال ثنا شجاع بن مخلد قال ثنا عباد بن العوام قال هشام ثنا عن الحسن في قول الله عز وجل
ﵟربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةﵞ
قال الحسنة في الدنيا العلم والعبادة والجنة في الآخرة
صفحة ٣٣
11 أخبرنا محمد قال أنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال ثنا زهير بن محمد المروزي والحسن بن يحيى الجرجاني وهذا لفظه قالا ثنا عبد الرزاق قال أنا ابن جريج قال أخبرني يحيى بن عبيد الله مولى السائب أن أباه أخبره أن عبد الله بن السائب أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن جمح والركن الأسود
ﵟربنا آتنا في الدنيا حسنةﵞ
ﵟوفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النارﵞ
قال محمد بن الحسين فأحب لمن قال هذا أن يقوله بافتقار وخضوع وسكينة وتذلل حتى يكون ممن يباهي الله عز وجل به الملائكة إن شاء الله ولا أحب أن يقوله على مجاز القول وهو ساهي القول عما يسأل مولاه الكريم
12 أخبرنا محمد قال ثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال ثنا يحيى بن أيوب العابد قال ثنا محمد بن صبيح بن السماك عن عائذ بن بشير عن عطاء عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يباهي بالطائفين
صفحة ٣٥
13 أخبرنا محمد قال وثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال ثنا علي بن حرب الطائي قال ثنا حسين بن علي الجعفي عن محمد بن السماك عن عائذ عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
14 أخبرنا محمد قال ثنا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري قال ثنا سفيان بن وكيع قال ثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع أخرى إلا كتب الله عز وجل له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة وسمعته يقول من أحصى سبوعا كان كعتق رقبة
صفحة ٣٦
آخر المسألة والحمد لله كثيرا وصلواته على محمد وآله
قرأ علي جميع الجزء الشيخ الصالح عبد الله بن عسي بن عبيد الله بن عيسى المرادي نفعه الله بما فيه قراءة تفهم وإتقان في يوم الأحد ثاني عشرين ربيع الآخر من سنة ست وخمسين وخمسمائة وكتب المبارك بن علي بن عبد الباقي البغدادي بخطه
صفحة ٣٧