مَسَائِل
أبي الوَليد ابن رُشِد (الجَدّ)
تحقيق محمد الحبيب التجكاني
الطبعة الثانية
١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م
دار الجيل - بيروت
دار الآفاق الجديدة - المغرب
صفحة غير معروفة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما عونك اللهم!
[١]- هل تقضي الصلاة المتروكة عمدا؟.
خواطب الفقه الإمام الحافظ الأوحد، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، ﵁، من مدينة المرية، بمسألة يسأل عنها، وهي:
الجواب، رضي الله عنك، مع الرغبة إلى فضلك أن تقف على هذا السؤال، وتنظره، فقد وقع فيه ما أوجب الكشف عنه وذلك، أبقاك الله:
ما تقول في الرجل العاصي، التارك للصلاة المفروضة، عامدا حتى خرج وقتها، هل تجب على تاركها، عمدا اعادتها، واجبا أم استحبابا؟ وان كان يجب عليه ذلك فرضا واجبا، هل يكون ذلك بالأمر الأول، أو بأمر ثان مبتدأ؟ وإن كان بأمر ثان، كما ذكر بعض الفقهاء، فبين صفته، والدليل على وجوبه، وان كان لا يوجد، بينة لنا، أيضا، يأجرك الله. ولقد قال بعض من ناظر في هذه المسألة: إن النبي ﷺ قضى الصلاة يوم الوادي، بعدما طلعت
1 / 125
الشمس، ويوم شغله المشركون عن الصلاة بعد غروب الشمس، هل يقال في الجميع قضى النبي ﷺ أو أداها؟ وبين لنا ما يجب في قول من قال: قضى النبي ﵇ إن كان يجب عليه شيء، أم لا، وفسر لنا الجميع نوعا نوعا، وفصلا فصلا، وما يجب في ذلك، فهذا أمر قد وقع، وأحببنا الوقوف على مذهبك على حقيقته، مَانّاَ متفضلا، والله يأجرك، ويحسن جزاءك.
فأجاب، أدام الله توفيقه وتسديده، بجواب نصه: تصفحت أرشدنا الله واياك، سؤالك ووقفت عليه، ومن نام عن الصلاة أو تركها، ناسيا لها، أو متعمدا، لعذر أو لغير عذر، حتى خرج وقتها، فعليه أن يصليها بعد خروج وقتها، فرضا واجبا، ولا يسعه تأخيرها، عن وقت ذكره اياها، ان كان أنْسِيهَا، ولا عند وقت قدرته عليها، ان كان تركها لعذر غلبه عليها.
وأما ان كان تركها متعمدا لتركها، متهاونا بها دون عذر
1 / 126
غلبه عليها، فهو عاص لله ﷿ في تأخيرها عن وقتها، وفي تأخيرها بعد وقتها، بما أخرها.
وهذا كله مما لا اختلاف فيه بين أحد من علماء المسلمين.
هل قضاء الفوائت واجب الأول أم بالأمر الثاني؟
واختلف المتكلمون منهم في الاصول، هل وجب بالأمر الأول أو بأمر ثان ولا تأثير في وجوبه، إذ قد أجمعوا أن في الشرع أدلة كثيرة على ذلك.
فمن قال: ان ذلك واجب بالأمر الأول، قال الأدلة الواردة في الشرع على ذلك مؤكدة له، ولو لم ترد، لا ستغنى عنها به.
ومن قال: ان ذلك لا يجب بالأمر الأول جعل الأدلة الواردة في الشرع على وجوب ذلك استئناف شرع، لا مزية للأمر الأول عليها في انحتام الوجوب؛ كل منهما فيما وقع الأمر به. وهذا هو مذهب المالكيين من البغداديين، وهو الصحيح عندي.
ومن الدليل على صحته أن من أمر أن يفعل فعلا في وقت بعينه، ففعله في غير ذلك الوقت، فقد عصى الأمر بترك ما أمره بفعله في
1 / 127
الوقت وفعل بعد الوقت ما لم يأمره بفعله، لأن الأمر، بالفعل في الوقت، لا يتناول الفعل بعد الوقت، بنص ولا بدليل بل تحديد الوقت لفعله يدل على أنه لا يفعل بعد الوقت عند من يقول بدليل الخطاب، وهو مذهب الإمام مالك ﵀.
الا ترى انه استدل بقول الله ﷿،
﴿ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾
[سورة الحج الآية: ٢٨]
على أنه لا يضحى بالليل.
وأيضا فلو كان الأمر بفعل العبادة في الوقت يتناول فعلها بعد الوقت كما يتناول فعلها في الوقت، لا كتفى الله، ﷿ في ايجاب صوم شهر رمضان،
بقوله: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾
[سورة البقرة الآية: ١٨٥]
عن قوله: ﴿فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من أيام أخر﴾
[سورة البقرة الآية: ١٨٥]
كما اكتفى بقوله:
﴿ولو أن قرآنا سُيرت الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى﴾
[سورة الرعد الآية: ١٨٤]
عن ذكر الجواب بما دل عليه الكلام.
[١] ومثل هذا في القرآن لا يحصى اذ من البلاغة في النطق الايجاز فيه وحذف ما يستغني الكلام عنه لدلالته عليه.
أدلة وجوب قضاء الفوائت:
1 / 128
فاذا ثبت هذا، فالأدلة على وجوب قضاء الصلوات الفوائت، عمدا بعد الوقت كثيرة منها:
صلاة النبي ﷺ الصبح بأصحابه بعد أن طلعت الشمس اذ نام عنها في الوادي.
وصلاة العصر بعد غروب الشمس يوم الخندق.
وقوله ﵊ ﴿إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها، ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها الحديث﴾ وقوله ﷺ فيه:
" أو نسيها "، يدخل فيه التارك لها عمدا: لأن النسيان، في اللغة هو الترك، فيحمل على عمومه في السهو والقصد، لا سيما وهو في العمد أظهر منه في السهو، لأنه حقيقة في العمد، ومجاز في السهو، اذ انما الحقيقة فيه، في السهو،
أنسيت ولا نسيت.
وقد روى عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال: ﴿من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، لا كفارة لها الا ذلك﴾ اذ الكفارة لا تكون الا فيما يلحق فيه الاثم، وهو العمد دون عذر، لأن الله ﷿ قد تجاوز لامة محمد نبيه ﷺ عن النسيان والسهو، قال رسول الله ﷺ ﴿تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهو عليه﴾.
1 / 129
وقوله في الحديث: ﴿فليصل إذا ذكر﴾ معناه: فليصل متى ذكر تركه الصلاة عمدا: لأن التارك في لها، عمدا، لا ينفعك من أن يعتريه الذهول عن ذكرها في بعض الأحيان على أغلب الأحوال.
مصطلح الاداء والقضاء
والأداء يستعمل فيما صلي من الصلوات في وقتها، والقضاء فيما صلي منها بعد فوات وقتها.
والأصل في ذلك: ان الاداء لما جاء من الأمانات المعينات، قال ﷿:
﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾
[سورة النساء الآية: ٥٨]
، وقال ﴿ومن أهل الكتاب من ان تامنه بقنطار يؤده اليك، منهم من ان تامنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما﴾
[سورة آل عمران الآية: ٧٥]
وكانت الصلوات المفروضات موكولة إلى أمانات العبادة: قال الله ﷿:
﴿انا عرضنا الأمانة﴾ يريد ما تعبد به عبادة من الإيمان به وشرائع دينه،
﴿على السموات والأرض والجبال﴾
[سورة الاحزاب الآية: ٧٢]
وكانت أوقاتها معنيات – سمي فاعلها في وقتها مؤديا لها.
وأن القضاء. لما جاء في الديون الثابته في الذمة بالمعاوضات والمبادلات قال رسول الله ﷺ للتي سألته: هل تحج عن أبيها أرأيت لو كان على ابيك دين، أكنت قاضيته؟ قالت نعم. قال: فدين الله احق ان يقضى وكانت الصلوات المفعولة بعد الوقت
1 / 130
واجبة عن عوض وبدل، وهو الصلاة التى كانت عليه في الوقت – سمى فاعلها بعد الوقت قاضيا لما وجب عليه منها في وقتها، سواء تركها في وقتها مفرطا فيها، أو متهاونا بها، أو متعمدا لتركها أو ناسيا، أو كان قد نام عنها، أو غلبه على فعلها عذر غالب.
فإذا لم تختص تسمية فعل الصلاة بعد الوقت بالقضاء، بأحد هذه الوجوه دون سائرها، لم يمتنع أن يقال في صلاة رسول الله ﷺ الصبح يوم الوادي، بعد الطلوع، والعصر يوم الخندق بعد الغروب – إن ذلك قضاء لا أداء. وقد تقرر وعلم: أن رسول الله ﷺ لم يترك صلاة العصر يوم الخندق إلى بعد غروب الشمس إلا لغلبة المشركين إياه على فعلها في الوقت بكل حال، أو نسيانه اياها، لاشتغاله بما دهمه من أمرهم، فلا يمتنع في اللسان، أن يسمى فعل الصلاة في وقتها (أو) بعد وقتها قضاء وأداء، لانها واجبة في الموضعين جميعا، والدين الواجب على الرجل يجوز أن يقال فيه أداه عن نفسه، وقضاه عنها، قبل حلوله، وبعد حلوله؛ الا أن الأولى تسمية فعل الصلاة في وقتها أداء، وبعد وقتها قضاء، لما ذكرته وشرحته.
فالاداء لما وجب بالامر الاول، والقضاء لما وجب بالامر الثانى،
1 / 131
[٢] هذا هو المختار، وبالله تعالى / التوفيق، لا شريك له.
[٢]- قسمة تركة بين ابن خنثى، وابن ابن خنثى، وعصبة
وقال الفقيه الإمام الحافظ قاضى الجماعة ابو الوليد ابن رشد ﵁:
وقع في نوازل سحنون من كتاب الولاء من العتيبة، في رجل توفي وترك ابنا خنثى، وابن ابن خنثى، ان للابن ثلاثة ارباع المال، أصلها من أربعة وعشرين، وخمسة أسهم لابن الابن، ويفضل سهم من اربعة وعشرين للعصبة.
أساس بناء سحنون على نظرية التداعى لابن القاسم
فقال أيده الله فيها: بنى سحنون جوابه هذا على مذهب ابن القاسم في التداعى، فأخطأ في بنائه عليه.
وتفسير ما ذهب اليه: أن الابن يدعي جميع المال، لانه يقول: إنه ذكر، وأن ابن الابن أنثى، وابن الابن يدعي نصف المال، لأنه يقول: انه ذكر وأن الابن انثى، فيقال لابن الابن: قد أقررت للابن بالنصف، فادفعه اليه، والنصف الثاني يقسم بينكما بنصفين لتداعيكما فيه، فيحصل للابن ثلاثة ارباع المال، ولابن الابن الربع.
ثم يقول العصبة لابن الابن: إنما لك من هذا الربع السدس، لأنكما جميعا انثيان، فيقول: بل هو لى كله، لأني ذكر، فيحصل
1 / 132
التداعى بينهما في نصف السدس، فيقسم بينهما، فيحصل للعصبة ربع السدس وهو سهم من اربعة وعشرين كما قال.
سبب خطأ سحنون: انه اعتبر تداعي العصبة وابن الابن في نصف السدس
ومكان الخطأ في هذا البناء تقديره فيه: ان العصبة تقول لابن الابن انما لك من هذا الربع السدس، لأنها لم تقر لابن الابن بالسدس من الربع الباقي بيده، وانما اقرت له بالسدس من النصف تكملة الثلثين: على انهما جميعا انثيان، فالسدس الذى أقرت له به قد أخذ منه الابن نصفه بدعواه انه ذكر، وهذا بين.
تصحيح ابن رشد للخطأ على أساس تداعي العصبة وابن الابن في السدس
والصحيح في بناء المسألة على مذهب ابن القاسم في التداعي:
ان الأبن يقول لابن الابن وللعصبة: أنتما مقران لى بالنصف غير منازعين لى فيه لأني ان كنت انثى فلي النصف، كنت أنت ذكرا على ما تدعي، أو أنثى على ما تدعيه العصبة، فأسلماه إلى، فيأخذ النصف: ستة من انثى عشر.
ثم يقول ابن الابن للعصبة: انتم مقرون لي من هذا النصف بالسدس تكملة الثلثين، لانكم تدعون أني أنثى، فأسلموه إلي، فيأخذ منه السدس سهمين، ويبقى بايدى العصبة الثلث: اربعة أسهم.
1 / 133
ثم يرجع الابن فيقول لابن الابن: هذا السدس الذي بيدك، هو لي لاني ذكر، فيقول له: بل هو لي، لانك أنثى، فيقسم بينهما فيأخذ منه سهما، ويبقى بيده سهم.
ثم يرجع إلى العصبة فيقول لهم: هذا الثلث، بأيديكم، هو لي، لاني ذكر، فيقول له العصبة: بل هو لنا، لأنكما جميعا انثيان، فيقسم بينهما، فيأخذ منهم سهمين من الاربعة الاسهم، فيكمل له ثلاثة ارباع المال، لأنه كان بيده النصف ستة اسهم وأخذ من ابن الابن سهما. واحدا، ومن العصبة سهمين، فذلك تسعة أسهم من اثنى عشر سهما.
ثم يرجع ابن الابن على العصبة، فيقول لهم: هذان السهمان اللذان بأيديكم، هما لي، لأني ذكر، فيقول له العصبة: بل هما لنا: لأنكما انثيان، فيقسم بينه وبينهم بنصفين، فيأخذ منهما ابن الابن سهما واحدا، فيصير بيده سهمان، وهو السدس، ويبقى بيد العصبة سهم واحد، وهو نصف السدس.
يتم الحل بإقامة أربع فرائض:
وكذا يجب لهم نصف السدس، والسدس لابن الابن، والثلاثة أرباع للابن، على ما رتبه أهل الفرائض في عمل الفريضة من إقامة اربع فرائض:
فريضة على أنهما ذكران.
وفريضة على أنهما انثيان.
وفريضة على أن الابن ذكر، وابن الابن انثى.
1 / 134
وفريضة على أن الابن انثى، وابن الابن ذكر.
وضرب الفرائض بعضها في بعض، الا ان تتداخل، واضعافها أربع مرات، وقسمتها على الفرائض، واعطاء كل واحد منهم ربع ما اجنمع له، لأن عملهم في مسائل الخنثى كلها انما تخرج على مذهب ابن القاسم في التداعى.
التداعى لدى مالك على أساس العول
ويأتي في هذه، على مذهب مالك في التداعي، الذي يرى القسمة فيه على حساب عول الفرائض؛ ان يقسم المال بينهم أجزاء من أحد عشر، لان الابن يدعي الكل، وابن الابن يدعي النصف، والعصبة تدعي الثلث.
وعلى هذا القول قال ابن حبيب في ابن ذكر، وابن خنثى: أن المال يقسم بينهما أسباعا.
فلا يصح في المسألة الا هذان القولان: احدهما على مذهب مالك، والثانى على مذهب ابن القاسم، وما سواهما، خطأ، وبالله التوفيق.
[٣]- جرور الولاء في الميراث
وقال الفقيه الإمام / الحافظ قاضي الجماعة ابو الوليد ابن رشد [٣]
1 / 135
﵁:
وقع في سماع أصبغ من كتاب العتق مسألة وهي:
وسئل ابن وهب عن اختين اشترتا اباهما، فعتق عليهما وهما من حرة، كانت أمها حرة، فتوفيت احداهما، فورثها ابوها، ثم توفي الاب، قال: ترث الباقية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء، ويبقى الربع فلهما النصف: نصف هذا الربع الباقي، لان اباها جر ولاء ولده، لانه حين عتق، جر ولاء ولده بعضهم إلى بعض، وكان مولاهما جميعا، فجر ولاء هذه إلى هذه، وولاء هذه إلى هذه، فصار لها ها هنا سبعة اثمان الميراث.
(شرح مسألة العتبية بعد طلب)
قال ابو الوليد بن رشد: فسألنى سائل ان أشرح له معنى هذه المسألة، الذى من أجله صار للباقية من الأختين من ميراث ابيها سبعة اثمان؛ لأنه قال فيها: " ان الاب جر ولاء هذه إلى هذه وولاء هذه إلى هذه ". ولم يبين وجه الجرور، كيف هو، ولا ما حكمه
وما سأل عنه لا يخفى على من عرف كحم الميراث بالولاء، وأنا أذكر
1 / 136
من ذلك جملة ملخصة تبين له بها معنى ما أشكل عليه منها، إن شاء الله تعالى.
قال رسول الله ﷺ: «انما الولاء لمن أعتق». ونفى به أن يكون أحد أحق من المعتق بولاء ما أما أعتق، ولم يكن فيه دليل على أنه لا ولاء الا لمن أعتق، فالولاء يجب للمعتق، ولمن يجب له بسبب المعتق، ممن ينجر اليه عن المعتق، أو يجره اليه المعتق، على ما أحكمته السنة عن النبي ﷺ.
من ذلك أن الموالى ثلاثة: مولى الرجل الذى أعتقه، ومولى أبيه ومولى أمه. فالولاء ينجر عن السيد المعتق إلى ولده وعصبته، الأقرب فالاقرب، لقول رسول الله ﷺ: «الولاء للكبر».
والعبد المعتق يجر ولاء ولده الذين لم يعتقوا، وولاء مواليهم إلى مواليه، والأمة المعتقة تجر ولاء ولدها، الذين لم يعتقوا، وولاء مواليهم إلى مواليها أيضا، إذا كان ولدها من زنا، او كان قد نفاهم أبوهم بلعان أو ان كان عبدا أو كافرا.
فلما اعتقت الابنتان أباهما، في مسألتك التى سألت عنها وكانتا حرتين لم تعتقا، ثم توفى الاب بعد موت احدهما، وجب ان ترث الابنة
1 / 137
الباقية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقى بالولاء، لانه أعتق عليها نصفه، ونرث نصف الربع الباقى بجرور الولاء، لان النصف الثانى الذى أعتق منه على اختها الميتة، ينجر اليها نصف ولائه، لأنها، أعنى الباقية، لما أعتق عليها نصف أبيها، جر إليها الأب نصف ولاء ابنته الميتة على ما بيناه، من أن العبد المعتق يجر، إلى مواليه، ولاء ولده.
تنظير لجرور الولاء
الا تعرف انها لو ماتت، بعد الأب لورثت أختها الباقية منها النصف بالرحم، ونصف النصف الباقى بجرور الولاء لانها ابنة مولى، لها نصف ولائه، واذا جر الأب اليها نصف ولاء اختها فهو يجر اليها، أيضا، نصف ولاء ما أعتقت على ما بيناه. والذى أعتقت انما هو نصف أبيها الثانى، فلها ولاء نصف هذا النصف، وهو فوجب لها ثلاثة أرباع ولاء ابيها، النصف بعتقها اياه. والربع يجر الولاء على ما بيناه، وهذا كله بين.
تنظير آخر
ومما يزيده بيانا وايضاحا ان الابنة الميتة، لو أعتقت عبدا أجنبيا لكان للابنة الباقية، نصف ولائه، لانه مولى ابنة رجل أعتق عليها نصفه، فذلك يكون لها نصف ولاء النصف الثانى، الذى أعتقه من أبيها، لأن المرأة ترث بالولاء من أعتق من أعتقت.
1 / 138
غلط ابن القاسم بإدخاله «شركة الولاء» كسبب للميراث
وقد روى عن ابن القاسم في الاختين اللتين اشترتا أباهما فأعتق
أن الأب ان توفى قبلهما فورثتاه ثم توفيت احداهما: ان الاخت الباقية ترث النصف بالنسب، ونصف النصف بشركة الولاء، ونصف الربع بجرور الولاء اليها.
وهو غلط ظاهر، والصحيح ما ذكرناه من ان لها النصف بالنسب، ونصف النصف بجرور الولاء، وهو منصوص عليه لابن الماجشون.
تنطير أوسع لجرور الولاء
ولو ان امرأتين لم تعتقا اشترتا / اباهما، فعتق عليهما، ثم [٤] اشترت احداهما مع ابيها، أخا لهما لأبيهما، فعتق عليهما، ثم مات الاخ بعد موت ابيه واخته التى لم تشتره، لكان لأخته التى اشترته مع ابيها، من ميراثه سبعة اثمانه ونصف ثمنه، لانها ترث النصف بالنسب، ونصف النصف الباقى وهو الربع، بولاء العتاقة، لان نصفه أعتق عليها، فلها نصف ولائه بذلك ونصف الربع الباقى، هو الثمن، لان النصف الثانى الذى أعتق منه على ابيه لها نصف ولائه، لان اباه عتق عليها وعلى اختها الميتة، فصار نصفه مولى لمولى؛ لها من ولائه النصف، فوجب لها بذلك ربع ولائه، لان المرأة ترث بالولاء معتق معتقها، وترث
1 / 139
أيضا، نصف الثمن الباقي، لان الثمن، الذي وجب للاخت الميتة من ولائه، لها نصفه، لأنها ابنة لمولى، لها من ولائه النصف، والمرأة ترث بالولاء معتق معتق ولد من اعتقت.
وبالله التوفيق، لا شريك له.
[٤]- مغارسة بأجر مجهول
وسئل الفقيه الإمام الحافظ قاضي الجماعة ابو الوليد ابن رشد ﵁، ع عقد إنزال. ونسخته، من أوله إلى آخره:
عقد المغارسة
" صلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما "
أنزل فلان بن فلان الفلاني فلان فلان بن فلان الفلانى في الجبل المشعر المحدد بكذا، بأن أعطاه نصفه مشاعا، على ان يحترق المنزل النصف الباقي بيد المنزل فلان، ويغرسه نقول شجر كذا من صنف كذا، على المتعارف من تقارب الغرس وتباعده، نقولا جيادا تكون من عند المنزل فلان، وعليه ان يعتمرها مدة عشرة اعوام، من تاريخ هذا الكتاب بحرثتين جيدتين، وحفرتين بليغتين، في كل عام من
1 / 140
الاعوام المذكورة في أوان العمارة، على أن يشرع المنزل فلان في ذلك كله في عام تاريخ هذا العقد وعند امكان ذلك، ونزل المنزل فلان في نصف الجبل المحدود منزلة المنزل له فيه وحل فيه محله، على سبيل الإجارة الصحيحة، ولهما ان يقتسما، متى احبا، أو دعا إلى ذلك احدهما، بعد ان اختبرا عمق الشعراء في الأرض، وأحاطا علما بمبلغ المؤنة في ذلك، وعلما أنهما متى اقتسماه بالقرعة، كان كل نصيب منهما مساويا للآخر في المؤنة والعمارة لتساويه وتقاربه.
الجواب، رضي الله عنك في العقد المنعقد فوق هذا، هل هو صحيح على مضمنه، أو فاسد؟ وان كافاسدا، هل يصلح العقد بزيادة شرط فيه، خلا العقد منه، أو اسقاط شرط منه؟ وكيف لو أخذه بنصف فدان مشاع، على أن يحرث له نصف فدان متساو في القسمة؟
وان كان بين المسألتين فرق، فلك الفضل في بسط الفرق بينهما، وبيان وجه فساد الفاسد منهما، يعظم الله اجرك. تصفحت رحمنا الله واياك، سؤالك هذا، ونسخة العقد الواقع فوقه، ووقفت على ذلك كله
الربا اساس فساد عقد المغارسة
وهو عقد فاسد لانه لو استأجره على غرس نصف الجبل، بنصفه على الإشاعة، وان كان يعتدل في القسم، على ان يقتسماه قبل الغرس، على
1 / 141
ما يوجبه الحكم من القسم بالقرعة، على أن يغرس الاجير للمستأجر حظه الذ يحصل له من القسمة بالسهمة بالحظ، الذي يصير اليه بها، لكان غررا لا يجوز، لان الاجير لا يدرى اى الجهتين تخرج له بالسهمة فقد صارت اجرته مجهولة.
ومما يدل على أنها مجهولة انه، لو اراد بيعها، لما جاز له ذلك. ولا يجوز، ان تكون الاجرة الا مما يجوز بيعه.
ولو استأجر، أيضا، على غرس نصف الجبل المحدود بنصفه، على الاشاعة فإن كل واحد يعتدل في القسم، على ألا يقتسماه الا بعد الغرس، لكان غررا لا يجوز، أيضا، لأنه يعمل على أن تكون أجرته على عمله نصف الغرس بعد غرسه ولا يعلم كيف يكون حاله، وذلك من أعظم الغرر.
فان لم تجز هذه الاجارة على شرط تعجيل القسمة قبل الغرس ولا على شرط تأخيرها إلى بعد الغرس، لتقرر الغرر في كلا الوجهين، فقد تبين، أيضا انها غير جائزة، على ما تضمنه العقد، من أن لهما أن [٥] يقتسماه، متى احبا ومن دعا منهما إلى ذلك فذلك / له، اذ لا يخرجان بذلك عن احد الوجهين الفاسدين.
وكذلك ايضا لو وقعت الإجارة بينهما على هذا، وسكتا عن القسمة، لا يخرج فعلهما إلى وجه جائز.
1 / 142
مصير عقد المغارسة الفاسد
فان وقعت الاجارة على ما تضمنه العقد، ولم يعثر عليها حتى فاتت، فغرس الاجير جميع الجبل مشاعا، كان على الاجير قيمة نصف الجبل مشاعا يوم قبضه، على حكم البيع الفاسد، إذا فات، وكان له نصف أجرة مثله، في غرس جميعه، فان كان لأحدهما في ذلك فضل على صاحبه، رجع بذلك عليه وكان الغرس مشتركا بينهما.
وان لم يعثر على ذلك حتى اقتسما الجبل، وغرس الأجير حظه، وحظ المستأجر، كان على الاجير للمستأجر قيمة حظه الذي صار له مقسوما، وعلى المستأجر للأجير أجر مثله في غرسه حظه، وترادا الفضل بينهما.
وان عثر على ذلك، بعد غرس الاجير حظه، وقبل أن يغرس حظ المستأجر، كان على الاجير قيمة حظه الذي فوته بالغرس. وان كان عثر على ذلك، بعد أن غرس الاجير حظ المستأجر وقبل أن يغرس حظه، زكان الجبل كله لصاحبه، وكان عليه للاجير اجرة مثله، في غرسه حظه وكذلك يكون الحكم بينهما إذا وقع الأمر مسكوتا عنه.
ولو قال: أؤاجرك على أن تغرس جميع الجبل، ويكون لك نصفه إذا غرسته، لكان الحكم فيه إذا لم يعثر عليه حتى فات بالغرس، ان يكون للأجير اجر مثله في غرسه جميعه، ويكون جميع الجبل مغروسا لربه.
تنظير وتفريق
وهذه المسألة تشبه الرجل يدفع الجلود إلى الرجل ليدبغها على
1 / 143