مسائل القاسم
صفحة ٥٥١
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم
قال محمد بن القاسم رحمة الله عليه :
1 سألت : أبي القاسم بن إبراهيم عليه السلام عن من نام ساجدا في صلاة نافلة قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا في نافلة أو فريضة؟
فقال : من نام في صلاته نوما كثيرا أو قليلا ، أو خفيفا أو ثقيلا ، يلتبس بعقله ويوقن به ، عاد لوضوئه وصلاته.
2 وسألته : عمن صلى أمام القبلة بصلاة الإمام؟
فقال : من فعل ذلك فليس في شيء من صلاة الإمام ، إنما يكون إماما لمن يؤمه بالاستقدام ، وأن يكون إن كان واحدا قائما على اليمين لا على اليسار ، وذكر أن الوليد بن يزيد (1) قدم المدينة وهو ولي العهد بعد هشام ، فصلى في داره وصلى أهل المدينة في المسجد بصلاته ، فأنكر الناس ذلك من فعله ، وكان الوليد يجعل على دار مروان خصيا يكبر بتكبيره الناس. وذكر أن عبد العزيز بن مروان (2) كان يصلي بأهل الإسكندرية على ظهر المسجد ، ويصلي الناس أسفل في المسجد بصلاته ، فأنكر ذلك عليه بعض العلماء ، وقرأ : ( قد خلت من قبلكم سنن ) [آل عمران : 137] ، يريد أن ذلك خلاف السنة الماضية.
وسمعته رحمة الله عليه يقول : لا بأس أن يتيمم الذي لا يجد الماء ثم يأخذ المصحف ، أو يقرأ حزبه من القرآن ، لأن الله جعل التيمم لمن لم يجد الماء طهورا في
صفحة ٥٥٣
الصلاة وهن من الفرائض الواجبات.
3 وسألته : عن قول الله سبحانه : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) (23) [المعارج : 23]؟
فقال : دائمون هو : متعاهدون مدايمون ، لا يصلون بعضا ويتركون بعضا ، وقد قدم الله ذلك فرضا ، وجعل الصلاة كتابا موقوتا ، عددا وسجودا وقياما وقعودا ، فمن لم يداوم على ذلك كله ، ويضع كل شيء من ذلك موضعه ، فليس على صلاته بدائم ، ولا
بفرض فيها بقائم.
4 وسألته : هل يتوضئ للصلاة في شيء من المساجد؟
فقال : لا يتوضئ في شيء منها في تور ولا طست (1) ولا غيرهما ، ولقد بلغني أن القاسم بن محمد بن أبي بكر (2) رأى رجلا يتمضمض ثم مج في المسجد فنهاه عن ذلك ، فقال : إنه يفعل فيه ما هو أشد من هذا ، النخامة وغيرها. فقال القاسم : هذا ما لا يجوز.
وبلغني أن هشام بن عبد الملك بن مروان (3) دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليصلي فيه ، فذكر أنه على غير وضوء ، فأتي بتور فيه ماء وطست فتوضأ في المسجد ، فأنكر الناس ذلك يومئذ وعظموه.
5 وسألته : عمن يترك الأعمال يوم الجمعة وفيها ، من الرجال والنساء تعظيما لها؟
فقال : لقد بلغني أن بعض الصحابة كان يكره ذلك ، لما فيه من التشبه باليهود في ترك الأعمال يوم السبت.
صفحة ٥٥٤
ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب عاتب رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا عن التعجيل للجمعة ، فقال : أهذه الساعة؟ فقال الرجل : كنت في السوق. وهذا خلاف ترك الأعمال فيها تعظيما لها.
6 وسألته : رحمة الله عليه هل تصلى نافلة أربعا معا لا يسلم في الثانيتين منها؟
فقال : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى إلا الوتر ، وتأخير الوتر لمن نوى القيام إلى آخر الليل أفضل من تعجيله ، ومن لم ينو القيام عجله وكان ذلك خيرا له.
7 وسألته : رحمة الله عليه عن الرجل يكون في العمل فيستمر فيه ثم يصلي كذلك؟
فقال : لا بأس بذلك إن شاء الله. وسمعته رضي الله عنه يقول : لا بأس بالدعاء في السجود.
8 وسألته : رضي الله عنه عن العبد والخصي يؤمان الناس في الصلاة؟
فقال : لا بأس بذلك ، إذا ثبت لهما اسم الإيمان وحكمه.
وسمعته رحمة الله عليه يقول : كان الميسر فيما بلغني وفيما يذكر في الجاهلية أربعة أشياء : فاثنان منها على وجه التأله والعبادة وهما الأنصاب والأزلام ، واثنان من الباطل وهما الخمر والقمار ، فالخمر والميسر اليوم في الإسلام أكثر من أن يحصى ، منه اللعب بالحمام ، وكذلك كل ما ماثله في المقامرة من الأمثال.
وقد بلغني أن أهل الجاهلية يتراهنون ليلة البدر أيهما يسبق الشمس أو القمر ، قال : وكانوا يتبايعون الجزور بالمائة درهم ثم يجزرونها أجزاء ويتساهمون على تلك الأجزاء ، فأيهم ما خرج سهمه أولا ، أخذ أفضل الأجزاء فضلا ، ثم الذي يليه كذلك ، وأخذ آخرهم شر تلك الأجزاء والقسوم ، وكان عليه ثمن تلك الجزور.
قال : والأزلام ثلاثة قداح أحدهما : أن افعل ، وفي الآخر : لا تفعل. والمغفل : القدح الثالث ليس فيه شيء ، فإن خرج الذي فيه : أن افعل فعل ، وإن خرج : ألا تفعل لم يفعل ، وإن خرج : الغفل أعاد فضرب.
9 وسألته : عمن يصلي وحده بين الصفوف؟
صفحة ٥٥٥
فقال : بئس ما صنع وصله الصفوف أفضل ، وليس يجب عليه إعادة صلاته وإن فعل.
وقال رحمة الله عليه : ومن خرج مسافرا من أهله حتى تستتر عنه بيوت قريته ، ثم أقام لانتظار أصحابه وبعض حاجته ، إنه يقصر صلاته في مقامه قصر المسافر في سفره.
10 وسألته : عن السجود على كور العمامة؟
فقال : لا بأس به إذا سجد على بعض جبهته.
11 وسألته : هل يجوز للرجل يصلي ومعه جلد فارة مسك؟
فقال : لا ، إلا أن تكون ذكية غير ميتة ، لأنها دابة تحيى وتموت ، وهي شبيهة بالثعلب ، وقد كانت منها دابة لمحمد بن القاسم وقعت عندنا وصارت إلينا ، ثم ماتت بعد مقام طويل ، وأخذ منها مسك كثير غير قليل.
12 وسألته : عن ثوب يصيب ناحية منه بول أيغسل الثوب كله ، أم تغسل الناحية التي أصابها البول منه؟
فقال : إن علمت الناحية وعرفت ، غسلت وحدها واكتفي بذلك ، وإن لم تعرف الناحية غسل الثوب كله بالماء.
13 وسألته : هل ينقش في الخواتيم شيء من القرآن؟
فقال : القرآن خير ما ينقش فيها وفي غيرها ، ولا بأس بنقش القرآن فيها ، وقد كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : محمد رسول الله. وهذا من القرآن.
وقال في مسح الأذنين يمسح ظاهرهما وباطنهما.
14 وسألته : عن تخليل اللحية بالماء؟
فقال : تخلل اللحية وتغسل مع الوجه غسلا ، ويفرع عليها الماء كما يفرع عليه إفراغا.
15 وسألته : هل على النساء تكبير أيام التشريق بعد الصلاة؟
فقال : عليهن التكبير كما على الرجال.
صفحة ٥٥٦
16 وسألته : عمن قرأ سجدة من القرآن فسجد ، هل يكبر حين يسجد وحين يرفع؟
فقال : يفعل وذلك أفضل لما فيه من ذكر الله ، وما يفعل من غيره في الصلاة كلها لله.
17 وسألته : عن الصلاة في السراويل والرداء؟
فقال : لا بأس إن شاء الله.
وسمعته رضي الله عنه يقول : لا بأس بالصلاة في الإزار والعمامة.
18 وسألته : عن الرجل يكتب العلم وفيه ذكر الله ، والرسالة هل يكتب في ذلك بسم الله الرحمن الرحيم وهو جنب؟
فقال : لا يكتب شيئا من القرآن. وبسم الله الرحمن الرحيم لا شك من القرآن في ذلك.
19 وسألته : عن الصلاة تحت السقايف في المسجد الحرام؟
فقال : التقدم إلى البيت والدنو منه أفضل ، إلا أن يخشى من الشمس إن ظهر لها عينا أو لها (1) ضررا.
20 وسألته : عن من صلى والناس يطوفون حول البيت فيمرون عليه بين يديه؟
فقال : لا بأس عليه في ذلك.
21 وسألته : عن غسل الجمعة أواجب هو؟
فقال : غسل الجمعة من السنة ومن الأمر بالمعروف ، وليس وجوبه وجوب الفرائض.
22 وسألته : عن من نسي التشهد مع إمام يؤمه؟
فقال : يتشهد إذا سلم الإمام ، ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم.
23 وسألته : عن مسافر شغل في جهازه لسفره حتى خرج وقد صليت
صفحة ٥٥٧
العصر من قريته ، وتوارت عنه بيوت أهله وقريته؟
فقال : يصلي العصر ركعتين.
24 وسألته : عن من يحول خاتمه في أصابعه ليحصي (1) به صلاته وطوافه بالبيت؟
فقال : لا بأس بذلك ، وهو من المحافظة عليهما وحسن العناية بهما إن شاء الله.
25 وسألته : عن من ألصق قرطاسا بدواء على صدغيه لصداع يجده ، أينزعه عند الوضوء؟
فقال : إن كان يخاف أن يضره فليمر عليه الماء ، وإن كان شيئا لا يخاف ضره فلينزعه ، وكذلك الجراح والكسر.
26 وسألته : عن الرجل يصلي بعد الوتر؟
فقال : لا بأس بذلك إن بدا له.
27 وسألته : عن التكبير أيام التشريق في المجالس؟
فقال : التكبير وذكر الله حسن في كل مكان وعلى كل حال ، والتكبير لازم في أيام التشريق خلف الطواف.
28 وسألته : رحمة الله عليه عن من كان في طريق فيه اللصوص والخوف ، هل يجوز أن يخفف صلاته؟
فقال : رب تخفيف لا ينقص الصلاة فذلك جائز له ، ورب تخفيف ينقصها ، فما كان من ذلك فلا يجوز له أن يفعله.
29 وسألته : عن من تمضمض فأدخل إصبعه في فمه يدلك بها أسنانه ، أيعيد إصبعه تلك في ما يتوضئ من الماء؟
فقال : لا بأس بذلك.
30 وسألته : رحمة الله عليه عن القراءة بالألحان للقرآن؟
صفحة ٥٥٨
فقال : أما لحن طرب أو عبث فلا يقرأ به ، ولكن يقرأ بالحنين والأحزان ، وقد ذكر أن الله أوحى إلى موسى بن عمران صلى الله عليه : يا موسى إذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الذليل ، وإذا قرأت التوراة فاقرأها بصوت حزين (1).
31 وسألته : عن أجرة المعلمين للغلمان ، على ما يتعلمون منهم من القرآن؟
فقال : كل من أدركنا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن فقهاء المدينة ، فكلهم لا يرى به بأسا.
32 وسألته : رحمة الله عليه هل تجهر النساء بالتكبير في أيام التشريق؟
فقال : لا يجهرن ولا يرفعن أصواتهن ، ويكون تكبيرهن قدر ما يسمعن أنفسهن.
33 وسألته : عن المرأة يطول بها الدم كم تترك الصلاة؟
فقال : قدر أيام أقراءها التي عرفتها ، ثم تغتسل وتوضئ لكل صلاة إن شاء الله تصليها.
34 وسألته : هل يستنجي أحد وفي شماله خاتم فيه ذكر الله؟
فقال : ترك ذلك أفضل ، وأحب إلي ألا يفعل.
قلت فيحرك المتوضئ خاتمه عند الوضوء ليصل الماء إلى ما تحته.
فقال : يحركه أبلغ في طهارته.
35 وسألت : أبي رحمة الله عليه عن من يحك جسده ، ويدخل يده نحو صدره وهو في الصلاة؟
فقال : يسكن الأطراف كلها أمثل ، وإن حكه شيء أو آذاه نحاه.
36 وسألته : عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه هل زوج ابنته عمر بن الخطاب (2)؟
صفحة ٥٥٩
فقال : خبر من الأخبار قد ذكر ، ولا يدرى ما حقيقته.
37 وسألته : عن ولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فريضة من الله كالفرائض؟
فقال : موالاة علي بن أبي طالب أكبر الفرائض ، واجبة من الله ورسوله على كل مسلم.
38 وسألته : عن قول الله : ( كان الناس أمة واحدة ) [البقرة : 213]؟
فقال : لا تكون أمة واحدة وفيهم نبي أو وصي.
39 وسألته : عن العقل في الإنسان أطبع هو أم مستفاد؟
فقال : هو الحفظ والفكر ، وأصل العقل فطرة وخلقة.
40 وسألته : عن من كان أول الناس إسلاما مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال : علي بن أبي طالب ، (1) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدبه ، وكان في حجره وهو السابق إلى الله والمقرب (2).
41 وسألته : عن وصي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان ، وعن تراثه؟
صفحة ٥٦٠
فقال : كان علي بن أبي طالب وصيه في مهماته وعهوده (1)، وأما الميراث فإن
وعن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لابنته فاطمة : أما علمت أن الله عز وجل اطلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا. أخرجه الهيتمي في مجمع الزوائد 8 / 253 ، وفي 9 / 165 ، منه عن علي بن علي الهلالي : ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك الحديث. ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 5 / 31. وكنز العمال ، كتاب الفضائل ، الفصل الثاني ، فضائل علي بن أبي طالب 3 / 116 ، 12 / 202.
وفي موسوعة أطراف الحديث عن المعجم الكبير للطبراني 2 / 205 ، وجمع الجوامع للسيوطي رقم الحديث (2261).
وأبو أيوب الأنصاري : اسمه خالد بن زيد الخزرجي. شهد بيعة العقبة وجميع مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهد مع الإمام علي الجمل وصفين ونهروان. وتوفي عند مدينة القسطنطينية سنة (50) أو (51). أسد الغابة 5 / 123.
وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب. أخرج الحديث في كنز العمال ، كتاب الفضائل ، الفصل الثاني ، فضائل علي بن أبي طالب / 1192 ، الثاني 12 / 209.
وفي أطراف الحديث عن كنز العمال ، الحديث 32952 ، والطبراني 6 / 271 ، وأبو سعيد الخدري : سعد بن مالك الخزرجي ، كان من الحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، توفي سنة (52 ه). أسد الغابة 5 / 211.
وعن أنس بن مالك أن الرسول توضأ وصلى ركعتين وقال له : أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين ، وسيد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ... فجاء علي عليه السلام فقال صلى
صفحة ٥٦١
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وكل ما يملك من الدنيا فقد فرقه على أمته ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى فاطمة صلوات الله عليها فدكا (1)، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه إلا سلاحه فأخذه علي بن أبي طالب.
42 وسألته : عن الحديث الذي روي : (أن من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية) (2) وكيف يعرف؟
فقال : بنعوته وصفاته.
43 وسألته : عن الإيمان؟
فقال : الإيمان من الأمان ، والإيمان فهو السلامة من كبائر العصيان ، التي أوجب الله عليها لأهلها النار ، فمن استكمل ذلك فقد استكمل الإيمان.
وأنس بن مالك : أبو ثمامة الخزرجي ، روى عنه البخاري ومسلم (2286) حديثا. اختلف في سنة وفاته من 90 93 ه. الاستيعاب ، وأسد الغابة ، والإصابة.
وعن الصحابي بريدة قال : قال النبي : لكل نبي وصي ووارث ، وإن عليا وصيي ووارثي. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 3 / 5 ، والرياض النضرة 2 / 178 عن بريدة وهو : أبو عبد الله بن بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي ، قدم المدينة بعد أحد فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشاهده وتحول بعده إلى البصرة وابتنى بها دارا ، ثم خرج غازيا إلى خراسان فأقام بمرو وتوفي بها. أسد الغابة 1 / 175.
وفي المحاسن والمساوئ للبيهقي ، ما موجزه : إن جبرائيل جاء بهدية من الله ليهديها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى ابن عمه ووصيه علي بن أبي طالب الحديث. أخرجه البيهقي في المحاسن والمساوئ 1 / 62 65. (كان حيا قبل 320 ه) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط القاهر سنة 1380 ه
صفحة ٥٦٢
44 وسألته : عن الإسلام؟
فقال : هو الاستسلام لما (1) أمر الله به من الإسلام.
45 وسألته : عن القدر؟
فقال : الخير والإحسان من الله لا يستنكر ، وما كان من خلاف ما أمر الله به فهو من أهله والله بريء منه ، وما كان من حسن مأمور به فهو من الله ، وما كان من معصية أو شتم لله فالله بريء منه ، لأنه يذمه ويعيبه ، ولا يصلح أن يكون من الله مذموما عنده.
فهذا إن شاء الله يكفي ولا يستنكر ذلك ولا يجحده أحد أنصف ، أو تكلم بما يعرف ، وأما سوى ذلك فلا يراد الخوض فيه ولا الشغل به.
46 وسألته : عن الاستطاعة؟
فقال : أي ذلك قال به قائل إذا أثبت أن الله لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون فهو مقبول ، وقوله صحيح معقول.
47 وسألته : عن إمامة أمير المؤمنين أكان من الرسول إليه وصية ، أم قال : أنت الإمام بعدي ، أم كيف؟
فقال : دلالة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإشارة عليه كانت منه إليه كافية مغنية.
48 وسألته : عن الاختلاف الذي بين أهل البيت؟
فقال : يؤخذ من ذلك بما أجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه ، وأما ما اختلفوا فيه فما وافق الكتاب والسنة المعروفة فقول من قال به فهو المقبول المعقول.
49 وسألته : عن إطلاق الرأي عند الضرورة؟
فقال : ليس لأحد أن يقول برأيه إلا ما أشبه الكتاب والسنة المعروفة ، وإلا أمسك فلم يقل.
صفحة ٥٦٣
50 وسألته : عن من قعد عن علي رضوان الله عليه في حربه؟
فقال : من قعد عن علي في حربه فهو ضال.
51 وسألته : عن انفاق المزين والمكحل؟
فقال : التحرز من ذلك والتورع أفضل ، وإن أجازه الناس بينهم.
52 وسألته : عن جمع صلاتين في السفر والحضر؟
فقال : لا بأس به.
53 وسألته : عن المرأة تموت من أحق بميراثها؟
فقال : قرابتها وذوو محرمها أولى الناس بها.
54 وسألته : عن الاستثناء في الطلاق وما أشبه ذلك؟
فقال : الاستثناء جائز في كل يمين.
55 وسألته : عن من أصبح جنبا في شهر رمضان وهو يمكنه الغسل قبل طلوع الفجر هل عليه شيء؟
فقال : لا بأس به ، وأحب إلينا أن يغتسل.
56 وسألته : عن من حلف بالمشي إلى بيت الله وليس عنده ما يبلغه ولا يحمله؟
فقال : لا شيء عليه لا يكلف الله أحدا إلا ما أطاق.
57 وسألته : عن رجل محتاج يتكفكف باليسير ويرد ما يتفضل به الناس عليه ، الأخذ منهم أفضل أم الرد؟
فقال : إن رد فلا بأس وإن أخذ فلا بأس إذا احتاج.
58 وسألته : عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به كتاب الله وعترتي أهل بيتي) (1) من العترة؟
صفحة ٥٦٤
فقال : العترة هم الولد.
59 وسألته : عن مرأة هلكت وتركت عبدا مدبرا ما ترى فيه ، وتركت أمتين أعتقت من ذلك ثلثهما؟
فقال : إن كان ثلثهما يحتمل عتق المدبر أعتق ، وإن لم يكن يحتمل فلا يعتق ، وقال في المعتق من الأمتين أيضا : إذا احتمل ثلثها ما أعتقت منهما عتق ما أعتقت ونفذ كلما له أوصت ، من بعد أن يخرج الدين الذي عليها إن كانت عليها ديون ، فإن الدين يخرج من قبل الثلث ومن قبل كل وصية.
60 وسألته : عن قول الله : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) [هود : 107]؟
فقال : خبر من الله من القدرة والاقتدار على كل شيء ، وليس هو خبر أن الله مخرج من النار بعد دخولها أحدا ، ولو خرج منها خارج بعد دخولها لم يكن فيها مخلدا ، وقد قال الله في غير مكان ( خالدين فيها ) (1) ( وما هم منها بمخرجين ) (48) [الحجر : 48].
61 وسألته : عن قول الله تعالى : ( ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها ) (8) [الشمس : 7 8]؟
فقال : ( ونفس وما سواها ) يقول سبحانه وما قدرها ، وما هاهنا من تسوية التقدير ، وحكمة التدبير ، الذي لا يكون إلا بالله ، ولا يوجد إلا من الله ، وقد قال بعض المفسرين ( وما سواها ) هو ومن سواها ، (2) ( فألهمها ) هو عرفها تعريفا بينا ليس
وقال الطبرسي : وقيل : إن ما في هذه المواضع بمعنى (من)، أي : والذي بناها ، ويحكى عن أهل الحجاز أنهم يقولون إذا سمعوا صوت الرعد : سبحان ما سبحت له. أي : سبحان الذي سبحت له ، ومن سبحت له. مجمع البيان 6 / 151.
صفحة ٥٦٥
مما يلتبس بكفره منعمه ، ولا يعايا (1) بشيء من المعرفة بين فجورها وتقواها ، إذا عرفها هيبتها واجتراها ، لأن الهيبة اتقاء ، والفجور اجتراء.
فهي تعرف من الأشياء كلها ما تجتري عليه من الفجور ، وما تهاب وتخشى من جميع الأمور ، فهي على ما لا تهاب مجترئة ، ولما هابت متقية ، فهي ملهمة لتقواها وفجورها ، لمعرفة ما تهابه وتجتري عليه من أمورها.
62 وسألته : أيضا عن قول الله سبحانه : ( والسماوات مطويات بيمينه ) [الزمر : 67]؟
إنما يريد سبحانه قدرته عليهن ، ونفاذ أمره وقضائه وحكمه جل ثناؤه فيهن ، لأن كل ما كان من الأشياء مطويات في يمينك ، فأنت عليه أقدر منك على غيره من جميع شأنك ، ومن كان في يديه شيء مطوي كان على حفظه كله قويا ، ولا يتوهم أنهن مطويات في يمينه كطي الثياب ، إلا عمي جهول لعاب ، وما في ذلك ، لو كان كذلك ، من الإكبار؟! ومن القوة والاقتدار؟!
وأما قبضته وإحاطته وقدرته ، فذلك أنه يقال لمن كان محيطا بشيء وقادرا عليه ، إذا سئل عنه من يعرفه ، هل له قدرة فيه؟ قال : نعم والله ما هو إلا قبضته وفي يده. وليس يريد بذلك إذا قاله قبضة الكف ، والله لا شريك له متعالي عن أن يوصف من أوصاف الإنسان بوصف.
63 وسألته : عن قول الله : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) [الزمر : 48]؟
فالإنابة إليه ، هي : الرجوع بطاعته عليه ، وإسلامهم له ، هو : سلوكهم سبيله ، فلم ينب إليه سبحانه من تولى عنه ، ولم يسلم له جل ثناؤه من تبرأ منه ، فالإنابة إليه هي : الاعتصام ، والإسلام له هو : الاستسلام ، ولم يعتصم به قط من آثر غيره ، ولم يسلم له من خالف أمره.
64 وسألته : عن قول الله سبحانه : ( قتل الإنسان ما أكفره ) (17) [عبس : 17]؟
صفحة ٥٦٦
فهو : لعن الإنسان ما أقل شكره ، وكذلك كل من كفر بآيات الله ، ولم يصر فيما أمر به إلى مرضات الله ، فمن كان كذلك ، أو عمل بذلك ، فهو الكافر غير الشاكر لما أولي ووهب له من النعم ، فأعطي في مبتدأ خلقه حين أنشي من نطفة من ماء مهين فحفظ في الرحم ، في مستقره فأتم تقديره ، وحسن تصويره ، ثم يسر للسبيل الذي هو مخرجه من بطن أمه ، بعد كماله في لحمه وعظمه.
65 وسألته : عن قول الله سبحانه : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ) [النساء : 116 ، 48]؟
فتأويل ذلك : أن الله قادر على ما شاء ، من مغفرة أو تعذيب لمن خلق وإنشاء ، وليس ذلك خبرا من الأخبار ، أنه غير معذب لمن وعده بالنار ، لأنه جل ثناؤه لو لم يعذب من وعده بالعذاب ، من أهل الكبائر لكان في ذلك خلف وإكذاب ، لما وعد به في ذلك من الميعاد ، وفيما ذكر سبحانه من وفاء ميعاده ووعده في ذلك ، ما يقول سبحانه في كتابه : ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ) (31) [الرعد : 31] ليس بين قوله سبحانه : ( لا يغفر ) وبين : ( يعذب ) فرق ، لأن من لا يغفر له فقد عذبه ، ومن عذبه فلم يغفر له.
66 وسألته : عن : ( مقاليد السماوات والأرض ) [الزمر : 63 ، الشورى : 12]؟
فالمقاليد هي : المفاتيح ، ومفاتيح الغيب فهي المقاليد.
67 وسألته : عن قول الله سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) [الحديد : 22]؟
فالمصيبة في الأرض فهو : ما يكون في الأرض عامة ، والمصيبة في الأنفس فهو : ما يكون في الأنفس خاصة ، والكتاب فهو علم الله بذلك كله ، وما أحاط بالأرض والأرض يقينا من علمه ، فكل ذلك كما قال الله لا شريك له لا يؤده منه علم ما علم ، وقوله : ( من قبل أن نبرأها )، فهو : من قبل أن يخلق الأنفس وإنشائها.
68 وسألته : [عن] ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) [الإسراء : 13]؟
وطائره فهو : ما يلحقه وما يلزمه من خيره وشره ، فكله مكتوب محفوظ عليه ، إذا
صفحة ٥٦٧
لقي الله وصار إليه ، كما قال الله سبحانه : ( نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) (14) [الإسراء : 13 14].
69 وسألته : عن قوله : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [الإسراء : 71]؟
فإمامهم هو : ما كتب عليهم ولهم ، من سالف أعمالهم ، فمن أوتي كتابه بيمينه فهو عن يمينه ، وتأويل : ( من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) (72) [الإسراء : 72] فهو : أن من كان في الدنيا ضالا ، فهو في الآخرة أضل ضلالا ، إنه ليس بعد البعث ضلال ولا هدى ، فمن ضل في الدنيا (1) أو اهتدى ، فهو مهتدي أو ضال أبدا.
70 وسألته : عن قول الله سبحانه : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) [الحجرات : 14]؟
فالاسلام هو : الاستسلام والذلة والإذعان ، يعني الإجابة والطاعة والإيمان ، فهو سر أو إعلان ، فسره في القلوب الباطنة ، وعلانيته في الأعمال الظاهرة ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) [الحجرات : 14].
71 وسألته :
: 140]؟
والأيام أيام الدول فهي بين الناس كما قال الله عقب (2)، وما فيها من إحسان أو إساءة (3) فأعمال ، لمن عملها من العمال ، يثاب المحسن منها على حسنته ، ويعاقب المسيء فيها بسيئته.
72 وسألته : عن قوله : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) (67) [الفرقان : 67]؟
فالقوام من النفقة بين السرف والإقتار ، وهو السيرة التي رضيها الله في النفقة
صفحة ٥٦٨
للأبرار.
73 وسألته : عن حديث الثقلين؟
وهو حديث صحيح مذكور ، كثير في أيدي الرواة مشهور (1)، ومن تمسك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهما فلن يضل أبدا ، لما جعل الله فيهما ومعهما من النور والهدى ، وكتاب الله تبارك وتعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أحدهما وفيه الشفاء والبرهان والنور ، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم مجمعون فمنهم عدل أبدا بمن الله لا يجور ، فمن تمسك بالمتقين منهم لم يضل ، ولم يجز عن الحق ولم يمل ، وكيف يضل متبع من يعدل في اتباعه على عدله ، وهو فيه كمثله. وحديث سفينة نوح (2) من ذلك ، وهي النجاة بها كذلك ، ومثل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم ، وفيما ذكر من التمسك بهم ، كمثلها في نجاة من نجا ، وفيما ذكر من الضلالة والهدى.
74 وسئل : عن المسح على الخفين والقدمين؟
فقال : وأما المسح على الخفين فإن أهل البيت مجمعون أنه فاسد لا يجوز ، وأما المسح على القدمين فليس فيه إلا ما يقول أصحاب الإمامية عن من يقولون به عنه ، ولم ندرك أحدا من آل الرسول إلا وهو يفعل بخلاف ما قالوا به ، فيغسل ولا يمسح.
75 وسألته : عن السماوات والأرض ، كيف الأرض والسماء بعضها فوق بعض؟
وكذلك ما سألت عنه من الأرض فأعلى السماوات آخرها وأول السماوات أولها ، وكذلك أول الأرض أعلاها وآخرها أسفلها.
76 وسألت : أبي رضوان الله عليه ، عن قول الله عز وجل ثناؤه : ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ) [الإسراء : 97]؟
فقال : تأويل ذلك إن شاء الله : أنهم يبعثون يوم القيامة حين يجمعون ويحشرون
صفحة ٥٦٩
على صورهم التي فارقوا الدنيا عليها وهيآتهم ، فعلى ما فارقوا الحياة عليه من ضلالهم وعماهم ، فمن فارق دنياه وهو أعمى في بصره ، بعث كذلك عند حشره ، وكذلك يبعث الأبكم وهو الأخرس اللسان ، وكذلك الأصم من صمم الآذان (1)، فكل يبعث ويحشر على ما كان عليه في دنياه من الأحوال ، وكذلك يبعثون على ما كانوا عليه في الدنيا من الهدى والضلال ، وليس تأويل : ( على وجوههم ) إن شاء الله ما يذهب إليه أهل الجهالات ، من تبديل الله في يوم القيامة للخلق والهيئات ، التي كانوا عليها في الدنيا بديا ، وكيف يتوهمون صما وبكما وعميا!؟ والله يقول سبحانه في ذلك اليوم : ( ولا يسئل حميم حميما (10) يبصرونهم ) [المعارج : 10 11] ، هو : يرونهم ، وكيف يتوهمون صما بكما خرسا!؟ وهم يقولون : ( يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) [الكهف : 49] ، وكيف يتوهمون ذلك وهم يقولون في يوم الحساب : ( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا ) [السجدة : 12]؟! فكفى بما بين الله من هذا ومثله بيانا لقوم يعقلون. على أن الأمر في ذلك ليس كما يتوهم الجهلة ولا كما يظنون.
77 [وسئل : عن قوله سبحانه : ( وقرآنا فرقناه ) [الإسراء : 106]؟
فقال : ] ( وقرآنا فرقناه ) تأويله : فرقناه قطعا ، وفرقنا [ه] وجعلنا [ه] مفرقا ( لتقرأه على الناس على مكث ) [الإسراء : 106] وهو على مهل وبمكث ، وتأويل ( نزلناه ) [الإسراء : 106] فهو قليلا قليلا ، كذلك يذكر والله أعلم أن جبريل صلى الله عليه كان يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما علمه من القرآن خمس آيات ، خمس آيات (2)، لما أراد الله إن شاء الله بذلك لفؤاده من الثبات ، كما قال الله سبحانه : ( كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ) (32) [الفرقان : 32] تأويله : ونزلناه تنزيلا ، والتنزيل ، هو الإبانة والتفصيل.
صفحة ٥٧٠
( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ) [الدخان : 1] فقال : يقول اختبرنا وعذبنا ، لأن الفتنة اختبار ومحنة ، وتعذيب وعقوبة.
وقوله سبحانه : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) [الفتح: 18] فقال : خبر عن رضى الله عمن بايع تحت الشجرة إنما هو لقد رضي الله عمن آمن بالله ، ألا ترى كيف يقول رب العالمين : ( لقد رضي الله عن المؤمنين ) فذكر أن رضاه تبارك اسمه إنما هو عمن آمن ممن بايعه ، وشايعه في البيعة وطاوعه.
وقوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) [الحج : 29] فقال : التفث لهو الشعث ، وشعثه: امتناعه (1) مما يمنع منه المحرم من الطيب وغيره ، وما يلزمه ما كان محرما في إحرامه ، حتى يطوف بالبيت العتيق كما أمره الله بالطواف.
[وقال] القاسم بن إبراهيم عليه السلام : أحسن الله رشدك وتوفيقك ، وقوم لقصد الحق طريقك ، وبلغك صالح الأمل برحمته ، وأتم عليك وفيك ما وهب من نعمته ، قد فهمت استمتع (2) الله بك ما وصفت ، وتعرفت من مذاهبك بما تعرفت ، فقرب الله قربك ، ووصل بحقه سببك ، فبمثلك بمن الله يتوصل إلينا ، فكيف تطلب لنفسك الأذن علينا.
78 وسألت : سددنا الله وإياك للرشد والاهتداء ، عن المخادعة من الله والمكر والاستهزاء؟
فأما المخادعة وفقك الله ، فليس يجوز القول بها على الله ، ولا ينسب شيء منها كلها إلى الله ، ولا تحتملها في الله الألباب ، ولم ينزل بها من كتب الله كتاب ، لأن المخادعة إنما هي حيل من المحتال ، فيما يخادع به من كذب في فعل أو مقال ، ولعجز المخادع عن كثير مما يريد ، كاد فيه بالمخادعة من يكيد ، والله جل ثناؤه متعال ، عن كل مخادعة واحتيال ، لا يجوز شيء من ذلك عليه ، ولا يصح القول بشيء منه فيه ،
صفحة ٥٧١