ثم قالوا: إن الله تعالى سيعذب العباد على ذلك، فنفوا بقولهم هذا عن الله تعالى العدل والحكمة، ونسبوه إلى فعل الظلم والقبائح والكذب و...إلخ، فعطلوا العدل والحكمة عن معانيها، وأكفؤا الإناء بما فيه، فلم يتركوا للعدل والحكمة عين ولا أثر، ولم يبق لهم من ذلك سوى تنزيه الله تعالى بالحروف والألفاظ، فنزهوه تعالى بنفي الظاء واللام والميم، وأثبتوا له تعالى العين والدال واللام و..إلخ فمذهبهم هذا مذهب مخالف للعدل والحكمة تماما، إذ كيف يأمر الله تعالى بما قد خلقه، أو ينهى عن ما قد خلقه، وأي فائدة في إرسال الرسل، وإنزال الكتب.
ومما يدل على بطلان مذهبهم:
أن الإنسان يلحقه حكم فعله من المدح والثناء والذم والاستهزاء والثواب والجزاء.
وأن الإنسان يحصل منه الفعل على حسب إرادته.
فكل هذا يدل على أن الفعل من الإنسان لا من الواحد الرحمن.
وأن الله تعالى قد أضاف أفعال العباد إليهم فقال: }يكسبون{، }يمكرون{، }يفعلون{، }يصنعون{، }يكفرون{، }وتخلقون إفكا{، ونحو ذلك في القرآن كثير.
فالحق الذي تؤيده فطر العقول، وتشهد له الحكمة والعدل، وتنادي بصحته آيات القرآن: أن الإنسان هو الذي يفعل الطاعة أو المعصية باختياره وإرادته ومشيئته، وأن المكلف قادر على فعل ذلك وعلى تركه، وأن الله تعالى منزه عن فعل معاصي العباد فلم يخلقها ولم يشأها ولم يردها، وأن العصاة فعلوا العصيان من قبل أنفسهم وباختيارهم وإرادتهم، وأن الله تعالى قد هداهم النجدين، ومكنهم في الحالين، لم يمنعهم عن المعاصي جبرا، ولم يدخلهم في الطاعات قهرا، وأنه لو شاء ذلك لفعله كما قال تعالى: }ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا{ [يونس/99]، يريد به تعالى مشيئة الإجبار، إذ لو أكرههم لبطل التكليف.
صفحة ١٧