عند نفسه فأتوا بسورة من مثله أي مما هو على صفة ما نزلنا في الفصاحة وحسن النظم والإخبار بالغيوب. وادعوا شهداءكم من دون الله أي ادعوا أكابركم من غيره تعالى ممن يوافقكم في إنكار أمر محمد ليعينوكم على المعارضة وليحكموا لكم وعليكم فيما يمكن ويتعذر، وقد كان في العرب أكابر يشهدون على المتنازعين في الفصاحة بأن أحدهما أعلى درجة من الآخر إن كنتم صادقين (23) في مقالتكم أن محمدا يقول من تلقاء نفسه فإن لم تفعلوا أي لم تأتوا بسورة من مثل المنزل ولن تفعلوا أي لن تقدروا أن تجيئوا بمثله فاتقوا النار والمعنى إذا ظهر عجزكم عن المعارضة صح عندكم صدق محمد عليه السلام، وإذا صح ذلك فاتركوا العناد، وإذا لزمتم العناد استوجبتم العقاب بالنار التي وقودها الناس أي حطبها الكفار والحجارة المعبودة لهم. قال تعالى: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم. أعدت أي هيئت تلك النار للكافرين (24) بما نزلناه وجعلت عدة لعذابهم وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي الطاعات أن لهم جنات أي بساتين ذات شجر ومساكن والمأمور بالبشارة إما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما كل أحد يقدر على البشارة، وهذا أحسن كما
قال صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة»
«1» ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بذلك واحدا بعينه.
وقرأ زيد بن علي «وبشر» بلفظ المبني للمفعول عطفا على «أعدت» . تجري من تحتها أي من تحت شجرها ومساكنها الأنهار أي أنهار الخمر واللبن والعسل والماء وعن مسروق أنهار الجنة تجري في غير أخدود كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا أي كل حين رزقوا مرزوقا من الجنات من نوع ثمرة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل أي هذا مثل الذي أطعمنا في الجنة من قبل هذا الذي أحضر إلينا قال تعالى تصديقا في تلك الدعوى: وأتوا به متشابها أي أتتهم الملائكة والولدان برزق الجنة متشابها بعضه بعضا في اللون مختلفا في الطعم ولهم فيها أي الجنات أزواج من الحور والآدميات مطهرة من الحيض وجميع الأقذار، ومن دنس الطبع وسوء الخلق وهم فيها خالدون (25) أي دائمون لا يموتون ولا يخرجون إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما أي إن الله لا يترك أن يبين للخلق مثلا أي مثل كان بعوضة فما فوقها في الذات كالذباب والعنكبوت أو في الغرض المقصود من التمثيل كجناح البعوضة، وكيف يستحي الله من ذكر شيء لو اجتمع الخلائق كلهم على تخليقه وما قدروا عليه. والمراد بالبعوضة هنا:
«الناموس» وهو من عجيب خلق الله تعالى فإنه في غاية الصغر، وله ستة أرجل وأربعة أجنحة، وذنب وخرطوم مجوف، وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد الفيل والجاموس، والجمل فيبلغ منه الغاية، حتى إن الجمل يموت من قرصته. فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه أي
صفحة ١٣