محمد به فإن الله شديد العقاب (211) لمن كفر به. زين للذين كفروا الحياة الدنيا أي حسن ما في الحياة الدنيا من سعة المعيشة لكفار مكة أبي جهل ورؤساء قريش ويسخرون من الذين آمنوا أي يسخرون على فقراء المؤمنين كعبد الله بن مسعود، وعمار، وخباب، وسالم مولى أبي حذيفة، وعامر بن فهيرة، وأبي عبيدة بن الجراح، وسلمان، وبلال، وصهيب بضيق المعيشة والذين اتقوا عن الدنيا الشاغلة عن الله تعالى فوقهم يوم القيامة لأن المؤمنين في عليين والكافرين في سجين ولأنهم في أوج الكرامة وهم في حضيض المذلة، ولأن سخرية المؤمنين بالكفار يوم القيامة فوق سخرية الكافرين بالمؤمنين في الدنيا والله يرزق من يشاء في الدنيا من كافر ومؤمن بغير حساب (212) أي بغير تكلف من المرزوق ومن حيث لا يحتسب وقد أغنى الله المؤمنين بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش ورؤساء اليهود حتى ملكوا كنوز كسرى وقيصر. كان الناس أمة واحدة قائمة على الحق ثم اختلفوا بسبب الحسد والتنازع في طلب الدنيا فإن الناس وهم آدم وأولاده من الذكور والإناث كانوا أمة واحدة على الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله النبيين مبشرين بالجنة لمن آمن بالله ومنذرين بالنار لمن لم يؤمن بالله وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه أي ليحكم الكتاب في الحق الذي اختلف الناس في ذلك الحق.
فالكتاب حاكم والمختلف فيه وهو الحق محكوم عليه. وما اختلف فيه أي الحق إلا الذين أوتوه أي أعطوا الكتاب مع أن المقصود من إنزال الكتاب أن لا يختلفوا وأن يرفعوا المنازعة في الدين من بعد ما جاءتهم البينات أي الدلائل العقلية التي نصبها الله تعالى على إثبات الأصول التي لا يمكن القول بالنبوة إلا بعد ثبوتها بغيا بينهم أي حسدا منهم أي أن الدلائل إما سمعية وإما عقلية، أما السمعية فقد حصلت بإيتاء الكتاب، وأما العقلية فقد حصلت بالبينات المتقدمة على إيتاء الكتاب فبعد ذلك لم يبق في العدول عن الحق علة فلو حصل العدول لم يكن ذلك إلا بحسب الحسد والحرص على طلب الدنيا فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه أي فهدى الله الذين آمنوا- للحق الذي اختلف فيه- من اختلف بعلمه وبإرادته وبكرامته. قال ابن زيد: اختلفوا في القبلة، فصلت اليهود إلى بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق ، فهدانا الله للكعبة. واختلفوا في الصيام، فهدانا الله لشهر رمضان. واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود:
كان يهوديا. وقالت النصارى: كان نصرانيا. فقلنا: إنه كان حنيفا مسلما. واختلفوا في عيسى فاليهود فرطوا حيث أنكروا نبوته ورسالته، والنصارى أفرطوا حيث جعلوه إلها. وقلنا قولا عدلا وهو إنه عبد الله ورسوله. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (213) أي طريق حق لا يضل سالكه. ويقال: والله يثبت من يشاء على دين قائم يرضيه أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله.
صفحة ٧١