يحبونها منك من بعد ما جاءك من العلم أي الوحي في أمر القبلة بأنك لا تعود إلى قبلتهم إنك إذا أي إنك لو فعلت ذلك على سبيل تقدير المستحيل وقوعه لمن الظالمين (145) لأنفسهم الذين آتيناهم الكتاب أي أعطيناهم علم التوراة يعرفونه أي رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة جلية يميزون بينه وبين غيره كما يعرفون أبناءهم لا تشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعبد الله بن سلام رضي الله عنه: كيف هذه المعرفة المذكورة في هذه الآية فقال عبد الله: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني، ومعرفتي بمحمد أشد من معرفتي بابني. فقال عمر: فكيف ذلك؟ فقال: أشهد أنه رسول الله حقا وقد نعته الله تعالى في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء، فقبل عمر رأسه وقال: وفقك الله يا أبا سلام فقد صدقت وإن فريقا منهم أي من أهل الكتاب ليكتمون الحق أي أمر محمد صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون (146) أن صفة محمد مكتوبة في التوراة والإنجيل وأن كتمان الحق معصية الحق من ربك مبتدأ وخبر أي الحق الذي أنت عليه يا رسول الله كائن من ربك ويحتمل أن الحق خبر مبتدأ محذوف أي ما كتموه هو الحق، وقرأ علي رضي الله عنه الحق من ربك بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول ليعلمون فلا تكونن من الممترين (147) أي الشاكين في أن علماء أهل الكتاب علموا صحة نبوتك وشريعتك لكل وجهة.
قال بعضهم: أي لكل قوم من المسلمين جهة من الكعبة يصلي إليها جنوبية أو شمالية، أو شرقية أو غربية. وقال آخرون: ولكل واحد من الرسل وأصحاب الشرائع جهة قبلة فقبلة المقربين العرش، وقبلة الروحانيين الكرسي، وقبلة الكروبيين البيت المعمور، وقبلة الأنبياء الذين قبلك حتى عيسى عليه السلام بيت المقدس، وقبلتك الكعبة وهي قبلة إبراهيم هو أي الله موليها
أي أمر بأن يستقبلها، في قراءة عبد الله بن عامر النخعي هو مولاها وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر محمد بن علي الباقر. والمعنى هو أي كل قوم مولى لتلك الجهة، وقرئ ولكل وجهة بالإضافة فاستبقوا الخيرات
أي فبادروا يا أمة محمد إلى الطاعات وقبول أوامرها أين ما تكونوا أي في أي موضع تكونوا من بر أو بحر يأت بكم الله جميعا أي يجمعكم الله يوم القيامة فيجزيكم على الخيرات إن الله على كل شيء قدير (148) من جمعكم وغيره ومن حيث خرجت أي من أي مكان خرجت إليه للسفر فول وجهك عند صلاتك شطر المسجد الحرام وإنه أي هذا الأمر للحق أي الثابت الموافق للحكمة من ربك وما الله بغافل عما تعملون (149) قرأه أبو عمرو بالياء على الغيبة وهو راجع للكفار أي من إنكار أمر القبلة والباقون بالتاء على الخطاب ومن حيث خرجت في أسفارك ومغازيك من المنازل القريبة والبعيدة فول وجهك في الصلاة شطر المسجد الحرام أي تلقاءه وحيث ما كنتم من أقطار الأرض مقيمين أو مسافرين في بر أو بحر فولوا وجوهكم في الصلاة من محالكم شطره أي المسجد
صفحة ٥١