روي أن فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم! فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلا، فقال عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: أمر شديد. قال:
فإني قد عاهدت الله تعالى أني لا أكفر بمحمد ما عشت، فقالت اليهود : أما هذا فقد صبا. وقال حذيفة: أما أنا فقد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا. ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه بذلك فقال: «أصبتما خيرا وأفلحتما» . فنزلت هذه الآية:
حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق في كتابهم أن محمدا هو الحق. وقالت صفية بنت حيي للنبي صلى الله عليه وسلم: جاء أبي وعمي من عندك، فقال أبي لعمي: ما تقول فيه؟ قال: أقول إنه النبي الذي بشر به موسى عليه السلام. قال: فما ترى؟ قال: أرى معاداته أيام الحياة فهذا حكم الحسد. فاعفوا أي اتركوهم فلا تؤاخذوهم واصفحوا أي أعرضوا عنهم فلا تلوموهم حتى يأتي الله بأمره فيهم أي بقتل بني قريظة وسبيهم، وإجلاء بني النضير وإذلالهم بضرب الجزية عليهم أو بإذنه في القتال إن الله على كل شيء قدير (109) فهو يقدر على الانتقام منهم من القتل والإجلاء وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والواجبتين عليكم ولما أمر الله المؤمنين بالعفو والصفح عن اليهود أمرهم بما فيه صلاح أنفسهم فقال: أقيموا الصلاة. وما تقدموا لأنفسكم من خير أي عمل صالح أي أي شيء من التطوعات تقدموه لمصلحة أنفسكم تجدوه عند الله أي تجدوا ثوابه مدخرا عند الله إن الله بما تعملون بصير (110) فلا يضيع عنده عمل
وقالوا عطف على ود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي قالت يهود المدينة: لن يدخل الجنة إلا اليهود ولا دين إلا دين اليهودية. وقالت نصارى نجران: لن يدخل الجنة إلا النصارى ولا دين إلا دين النصرانية. وقرأ أبي ابن كعب إلا من كان يهوديا أو نصرانيا أي قالوا ذلك لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تلك أي الأماني الباطلة وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وأمنيتهم أن يروا المؤمنين كفارا وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم أمانيهم أي متمنياتهم على الله ما ليس في كتابهم قل يا أشرف الخلق هاتوا برهانكم أي أحضروا حجتكم من كتابكم إن كنتم صادقين (111) في مقالتكم بلى يدخل الجنة غيرهم من أسلم وجهه أي من أخلص نفسه لله لا يشرك به شيئا وهو محسن في جميع أعماله فله أجره الذي وعد له على عمله عند ربه أي في الجنة ولا خوف عليهم في الدارين من لحوق مكروه ولا هم يحزنون (112) من فوات مطلوب ولما قدم نصارى نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتخاصموا في الدين حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت لهم اليهود: ما أنتم على شيء من الدين. وقالت النصارى لليهود: ما أنتم على شيء من الدين. أنزل الله تعالى هذه الآية وقالت اليهود أي يهود المدينة ليست النصارى على شيء أي أمر يعتد به
صفحة ٣٩