302

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

محقق

محمد أمين الصناوي

الناشر

دار الكتب العلمية - بيروت

رقم الإصدار

الأولى - 1417 هـ

تصانيف

التفسير

والثاني: الآجال الاختزامية: فالآجال الطبيعية: هي التي لو بقي ذلك المزاج مصونا عن الأعراض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني. والآجال الاختزامية: هي التي تحصل بسبب من الأسباب الخارجية كالغرق والحرق ولدغ الحشرات وغيرها من الأمور المعضلة ثم أنتم تمترون (2) أي ثم بعد ظهور مثل هذه الحجة الباهرة أنتم أيها الكفار تنكرون صحة التوحيد للصانع، أو ثم بعد مشاهدتكم في أنفسكم من الشواهد ما يقطع الشك بالكلية أنتم أيها الكفار تستبعدون وقوع البعث ومن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر. فالآية الأولى دليل التوحيد والثانية دليل البعث وهو الله في السماوات وفي الأرض أي وهو الذي اتصف بالخلق هو المعبود في السموات والأرض والمتصرف فيهما يعلم سركم في القلوب من الدواعي والصوارف وجهركم في الجوارح من الأعمال ويعلم ما تكسبون (3) أي مكتسبكم أي تستحقون على فعلكم من الثواب والعقاب وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (4) أي ما يظهر للكفار من آية من الآيات التكوينية التي يجب فيها النظر التي من جملتها جلائل شؤونه الدالة على وحدانيته تعالى إلا كانوا معرضين عن تأمل تلك الدلائل تاركين النظر المؤدي إلى الإيمان بمكونها، وهذه الآية تدل على أن التقليد باطل والتأمل في الدلائل واجب، ولولا ذلك لما ذم الله المعرضين عن التفكر في الدلائل. أو المعنى ما ينزل إلى أهل مكة آية من الآيات القرآنية إلا كانوا مكذبين بتلك الآية. ومن الأولى مزيدة لاستغراق الجنس الذي يقع في النفي، والثانية للتبعيض وهي مع مجرورها صفة لآية فقد كذبوا بالحق لما جاءهم أي فقد كذب أهل مكة بالمعجزات كانشقاق القمر بمكة وانفلاقه فلقتين فذهبت فلقة وبقيت فلقة، أو بالقرآن أو بمحمد صلى الله عليه وسلم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن (5) أي سوف يأتيهم أخبار كونهم مستهزئين بذلك الحق يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن أي ألم يعرف أهل مكة بمعاينة الآثار في أسفارهم للتجارة إلى الشام في الصيف وإلى اليمن في الشتاء، وبسماع الأخباركم أمة أهلكنا من قبل زمان أهل مكة كقوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم.

مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم أي أعطينا أولئك الجماعة من البسطة في الأجساد والامتداد في الأعمار، عليهم مدرارا والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا ما لم نعطكم يا أهل مكة وأرسلنا السماء أي المطر عليهم مدرارا أي متتابعا كلما احتاجوا إليه وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم أي من تحت بساتينهم وزروعهم وشجرهم فأهلكناهم بذنوبهم بتكذيبهم الأنبياء وبكونهم باعوا الدين بالدنيا وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين (6) أي أحدثنا من بعد إهلاك كل قرن قرنا آخرين بدلا من الهالكين، وهذا تنبيه على أن إهلاك الأمم الكثيرة لم ينقص من ملكه شيئا ولا يتعاظم على الله هلاكهم وخلو بلاده منهم فإنه تعالى قادر على أن ينشئ مكانهم قوما آخرين يعمر بهم بلاده ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين (7) أي

صفحة ٣٠٧