مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
وسبب قول النبي ﷺ ذلك للأشجّ ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي ﷺ، وأقام الأشجّ عند رحالهم، فجمعها، وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل إلى النبي ﷺ فقرّبه النبي ﷺ وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي ﷺ: «تبايعونِ على أنفسكم وقومكم؟» فقال القوم: نعم، فقال الأشجّ: يا رسول الله، إنك لم تزاول الرجل على شيء أشدّ عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم، فمن اتبَّعَنا كان منا، ومن أبى قاتلناه، قال: «صدقت، إن فيك خصلتين ...» الحديث.
فالأناة: تربُّصُه حتى نظر في مصالحه، ولم يعجل، والحلم: هذا القول الذي قاله، الدال على صحّة عقله، وجودة نظره للعواقب (١).
ومما يُؤكِّد أن الحلم من أعظم أركان الحكمة ودعائمها العظام أنه خُلُق عظيم من أخلاق النبوة والرسالة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم عظماء البشر، وقدوة أتباعهم من الدعاة إلى الله والصالحين في الأخلاق المحمودة كافة.
وقد واجه كل واحد منهم من قومه ما يثير الغضب، ويغضب منه عظماء الرجال، ولكن حلموا عليهم، ورفقوا بهم، ولانوا لهم حتى جاءهم نصر الله المؤزَّر، وعلى رأسهم إمامهم، وسيدهم، وخاتمهم محمد ﷺ ولم يكن غريبًا أن يوجهه الله تعالى إلى قمة هذه السيادة حين يقول له: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ
_________
(١) شرح النووي على مسلم، ١/ ١٨٩، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، ٦/ ١٥٢.
1 / 110