المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
تصانيف
اعتمد محمد عابد الجابري في تأسيس ونحت جهازه المفاهيمي ومنهجياته التحليلية على منظورات متعددة ومتخصصة، ومساقط معرفية، منها ما ينتمي إلى المتن التراثي العربي الفلسفي بالدرجة الأولى، ومنها ما ينتسب إلى الفكر العالمي المعاصر المتعدد التخصصات «الفكر السياسي، والبنيوية، والتفكيكية، والأنثروبولوجيا، والإبستيمولوجيا، وعلم النفس، وعلم اللغة، والماركسية المتجددة» ليس كما طبقت هذه المفاهيم في حقلها التداولي الأول، وإنما وفق معطيات جديدة، يعيشها الفكر العربي المعاصر، وهو ما يمنحها - حسب الجابري - إمكانات التحرك في حقلها الجديد بحرية، بعد تنقيتها من خلفياتها الأيديولوجية، وتطويعها والسياقات الجديدة لفكرنا المعاصر.
لم يواجه الجابري مشكلة في بحثه أكثر من مواجهته لمشكلة تبيئة المفاهيم الغربية التي استمدها من حقوله المعرفية من أجل بلورة أفضل لمشروعه النقدي،
58
فكان عليه أن يقطع مسافات، ذهابا وإيابا، بين هذه الحقول المعرفية المتعددة والمتخصصة وشبكة مفاهيمها، حتى يظفر ببغيته المنهجية في إطار النقد الإبستيمولوجي للعقل العربي، وبالتالي الهدف الاستشرافي النهضوي العربي؛ من خلال تفكيك آليات تفكير هذا العقل، والتحرر مما أسماه «مما هو متخشب في كياننا العقلي، وإرثنا الثقافي»،
59
وفك الارتباط بين «الصراع الأيديولوجي والصدام الإبستيمولوجي في الثقافة العربية. وهي علاقة ما كان يمكن لنا قط إهمالها أو التقليل من أهميتها ومفعولها، وإلا فقد التحليل بعده التكويني؛ أعني ما يمنح موضوعه تاريخيته ...»
60
وتحقيق هذه المهمة التاريخية يتطلب من الناحية المنهجية نظرة متكاملة منافية للتبعيض والبعثرة؛ ولذلك تجد غلبة مفاهيم تستجيب لهذا الطموح النقدي من قبيل «البحث عن الأصول والفصول»، و«التفكيك»، و«رد الجزء إلى الكل». يقول: «نحن لا نصدر عن مثل هذا المنهج التجزيئي الفيلولوجي الاستشراقي، ليس فقط لأنه معرض للنقد علميا، بل لأنه لا يستجيب لاهتماماتنا نحن العرب المعاصرين، ولا لنوع الوعي الذي نريد أن يكون لنا عن تراثنا.»
61
حين حاول أن يجعل المصطلح الغربي أقرب إلى موضوعه، ويكسبه القدرة على الانسجام.
صفحة غير معروفة