بينة وبين الموضوع من الأخبار، إذ لا يَتَهَيَّأُ معرفة السقيم من الصحيح، ولا استخراج الدليل من الصريح، إلا بمعرفة ضعفاء المحدثين والثقات، وكيفية ما كانوا عليه في الحالات، فأما الأئمة المرضيون، والثقات المحدثون، فقد ذكرناهم بأسمائهم، وما نعرف، من أنبائهم، وإني ذاكر ضعفاء المحدثين، وأضداد العدول من الماضيين، مِمَّن أطلق أئمتنا عليهم القدح، وصح عندنا فيهم الجرح، وأذكر السبب الذي من أجله جُرِحَ، والعلة التي بها قدِح، ليرفض سلوك الاعوجاج، بالقول بأخبارهم عند الاحتجاج، وأقصد في ذلك ترك الإمعان والتطويل، وألزم الإشارة إلى نفس التحصيل، وبالله أستعين على السداد في المقال، وبه نتعوذ من الحيرة والضلال، إنه منتهى رجاء المؤمنين، وولي جزاء المحسنين.
ذكر الحث على حفظ السنن ونشرها
حدثنا محمد بن محمود بن عدي النسائي، قال: حدثنا حميد بن زنجويه، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قام رسول الله ﷺ بالخيف من منى، فقال: "نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالتي فَوَعَاهَا، ثمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَم يسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَه، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إِلَى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنْهُ، ثَلَاث لَا يُغَلُّ عَلَيْهنَّ قَلْبُ الْمؤمِنِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصيحَةُ لِأُولِي الأَمرِ، وَلزوُمُ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُم تَكونُ مِن وَرَائِهِمْ" (١).
_________
(١) رواه أحمد (٤/ ٨٠ و٨٢) وابن ماجه (٢٣١) وغيرهما من طرق عن محمد بن إسحاق به.
قال الدارقطني فيما علق على هذا الإسناد: لم يسمع هذا الحديث محمد بن إسحاق من الزهري إنما سمعه من عبد السلام بن أبي الجنوب عن الزهري، كذلك قال ابن نمير، عن محمد بن إسحاق.
وقد روى هذا الحديث عن مالك بن أنس، عن الزهري، كذلك تفرد به عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي عن مالك انتهى. =
1 / 14