وقال الإمام أبو الوفا علي بن عقيل الحنبلي ﵀ لما صعبت التكاليف على الطغام والجهال عدلوا عن أوضاع الشرك إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم قال وهم عندي كفار بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها والتزامها بما نهى عنه الشرع من ايقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع عليها:
يا مولاي افعل لي كذا وكذا. وأخذ تربتها تبركًا، وافاضة الطيب على القبور، وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى. انتهى كلامه.
وقال الإمام البكري الشافعي ﵀ في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ وكانت الكفار إذا سئلوا: من خلق السموات والأرض؟ قالوا الله، فإذا سئلوا عن عبادة الأصنام قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ لأجل طلب شفاعتهم عند الله وهذا كفر منهم. انتهى كلامه.
فتأمل ما ذكره صاحب الإقناع وما ذكره ابن عقيل من تعظيم القبور وخطاب الموتى بالحوائج وإن ذلك كفر. وقال الحافظ العماد بن كثير ﵀ في تفسيره عند قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ إنما يحملهم على عبادتهم انهم عمدوا إلى الأصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين بزعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا، فأما المعاد فكانوا جاحدين له، كافرين به.
قال قتادة والسدى ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد ﴿إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ أي ليشفعوا لنا عنده وليقربونا ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. وهذه الشبهة هي التي اعتقدها المشركون في قديم الدهر وحديثة وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بردها والنهى عنها والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له. وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به بل أبغضه ونهى عنه.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ وأخبر أن الملائكة التي في السموات من المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا بأذنه لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عندهم بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وكرهوه ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾ تعالى عن ذلك. انتهى كلامه.
وقال الإمام البكري ﵀ عند قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ﴾ الآية: فإن قلت إذا أقروا بذلك فكيف عبدوا الأصنام؟
1 / 15