أقولهم فلا يخرج القاضي عما اجمعوا عليه فإن اختلفوا فالأولى أن يتبع ما عليه الأكثر، وصرح بأنه يكره له أن يقضي بما انفرد به الواحد منهم عما عليه الثالثة لكونه مذهب شيخه أو أهل بلده، وذكر أنه يخاف على هذا أن يكون متبعًا لهواه. وتضمن كلامه أيضًا أن الإجماع انعقد على تقليد كل واحد من المذاهب الأربعة دون من عداهم من الأئمة لأن مذاهبهم مدونة قد حررت ونقحها اتباعهم بخلاف أقول غيرهم من الأئمة فلأجل هذا جاز تقليدهم. فليس في كلامه إلا حكاية الإجماع على جواز تقليدهم لا على وجوبه. بل صرح بأن القاضي لا ينبغي له الاقتصار على مذهب واحد منهم لا يفتي إلا به، بل ذكر أن الأولى للقاضي أن يتوخى مواطن الاتفاق إن وجده وإلا توخى ما عليه الأكثر فيعمل بما قاله الواحد منهم مخالفة للأكثر. فقضية كلامه أن المقلد لا يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة بل يجتهد في أقوالهم ويتوخى ما عليه أكثرهم إلا أن يكون للواحد منهم دليل فيأخذ بقول من كان الدليل معه فيكون من ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾
وهذا من جنس ما أشرنا إليه فيما تقدم من أن المقلد إذا كان نبيهًا وله ملكة قوية ونظر فيما تنازع فيه الأئمة وأمعن النظر في أدلتهم وتعليلاتهم تبين له الراجح من المرجوح وحينئذ فيعمل بما ترجح عنده أنه الصواب ولا يخرج بذلك عن التقليد فإذا كان الرجل شافعيًا أو حنبليًا ونظر في كتب الخلاف ووجد دليلًا صحيحًا قد استدل به مالك فعمل بالدليل كان هذا هو المناسب في حقه فيجعل إمامًا بازاء إمام ويسلم له الدليل بلا معارض. وليس هذا من الاجتهاد المطلق بل هو من الاجتهاد المقيد فهو يتبع الدليل ويقلد الإمام الذي قد أخذ به.
وأما الأخذ بالدليل من غير نظر كلام العلماء فهو وظيفة المجتهد المطلق وأما المقلد الذي لم يجتمع فيه الشروط ففرضه التقليد وسؤال أهل العلم.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد سألت أبي عن الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله ﷺ واختلاف الصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا الإسناد القوي من الضعيف فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير ما أحب منها فيفتي به ويعمل به؟ قال لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح، يسأل عن ذلك أهل العلم انتهى كلامه.
وأما إذا وجد الحديث قد عمل به بعض الأئمة المجتهدين ولا يعلم عند غيره حجة يدفع بها الحديث فعمل به كان قد عمل بالحديث وقلد هذا الإمام المجتهد في تصحيحه وعدم ما يعارضه فيكون متبعًا للدليل غير خارج عن التقليد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ طالب العلم يمكنه معرفة الراجح من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف ويذكر فيها الراجح مثل كتاب التعليق للقاضي أبي يعلى والانتصار لأبي الخطاب وعمل الأدلة لابن عقيل وتعليق القاضي يعقوب البرزيني وأبي الحسن الزاغوني ومما يعرف منه ذلك كتاب المغني للشيخ أبي محمد وكتاب شرح الهداية لجدنا أبي البركات، ومن كان خبيرًا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل ومن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح
1 / 52