مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى
الناشر
دار ثقيف للنشر والتأليف
رقم الإصدار
الطبعة الأولى
سنة النشر
١٣٩٨هـ
مكان النشر
الطائف
تصانيف
الفتاوى
فأنكر عليهم عبادتهم للمسيح والأحبار والرهبان، وأما المسيح فعبادتهم له بالتأله وصرف خصائص الالهية له من دون الله كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ فأخبر أن الالهية وهي العبادة حق الله لا يشركه فيها أولوا العزم ولا غيرهم يبين ذلك قوله: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ .
وأما عبادتهم للأحبار فإنهم أطاعوهم فيما حللوه لهم من الحرام وتحريم ما حرموه عليهم من الحلال، ولما قدم عدي بن حاتم ﵁ على النبي ﷺ بعد فراره من الشام، وكان قبل مقدمه على النبي ﷺ نصرانيًا فلما قدم على النبي ﷺ تلا عليه هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قال يا رسول الله لسنا نعبدهم فقال النبي ﷺ: "أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله فتحرمونه" قال: بلى "قال: فتلك عبادتهم" ففيه بيان أن من أشرك مع الله غيره في عبادته وأطاع غير الله في معصيته فقد اتخذه ربًا ومعبودًا وهذا بين بحمد الله.
فلو تأمل هذا الجاهل المعترض قول الله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ لعلم أن الله تعالى قد أنكر على النصارى قولهم، وفعلهم وعلى كل من عبد معه غيره بأي نوع كان من أنواع العبادة، لكن هذا وأمثاله كرهوا التوحيد، وألفوا الشرك وأحبوه، وأحبوا أهله فترامى بهم هذا الداء العضال إلى ما ترى من التخليط والضلال والاستغناء بالجهل ووساوس الشيطان " فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
ولا شفاء لهذا الداء العظيم إلا بالتجرد عن الهوى والعصبية، والإقبال على تدبر الآيات المحكمات في بيان التوحيد الذي بعث الله به المرسلين كما قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ومثل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أمره تعالى أن يدعو أهل الكتاب إلى أن يخلصوا العبادة لله وحده، ولا يشركوا فيها أحد من خلقه، فإنهم كانوا يعبدون أنبياءهم كالمسيح بن مريم، ويعبدون أحبارهم ورهبانهم.
وتأمل قوله: ﴿كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ وهذا هو التوحيد الذي بعث الله به رسوله ﷺ إلى جميع من أرسل إليه كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ وقوله: ﴿وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ تعم كل شرك دق أو جل كثر أو قل، قال العماد بن كثير في تفسيره هذا الخطاب مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم وقوله: ﴿سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ لا وثنًا ولا صنمًا، ولا صليبًا ولا طاغوتًا، ولا نارًا، ولا شيئًا، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، قلت وهذا هو معنى لا إله إلا الله، ثم
1 / 187