--- وأما الرابع وهو الشاكي لنفسه ولغيره من سوء الحظ, وقلة ذات اليد، فهو يوجه الملام إلى من لم يخط ولا ألام، والأرزاق عندنا قضايا قدرية, وأمور سماوية, (( لا يجرها حرص حريص، ولا يردها كراهة كاره )) ، كما ورد في الخبر عن سيد البشر على أن ما كان إلينا من ذلك فقد بذلنا فيه جهدنا، وأدينا وجدنا, توخيا لمواضع الحاجة والاستحقاق, أو المصلحة في الدين، كعطايا المؤلفين على قدر ما أدى إليه اجتهادنا, ووقع في أيدينا من رزق ربنا, والقسمة أيضا من حملة السيرة, والاعتراض مع تسليم أصولها يؤذن بضعف البصيرة, على أن الذين نأخذه هو الصدقات، وهي كانت في الأصل تضيق بالفقراء، فكيف تسع بجميع الوجوه المصروفة فيها اليوم, لو لا لطف الحكيم بالبركة فيما قسم على هذا التقسيم.
وأما الخامس وهو الشاكي من سدة باب أو شدة بواب، فإنه لم يخلص السريرة, ولا نظر بعين البصيرة، لأن من له أدنى خبرة يعلم أنه لا يمكن قضاء حاجات الناس دفعة واحدة، بل يتمانعون ويتدافعون لا سيما مع عدم الكفاءة وقلة المعاونة, على ما يلزم أهل الديانة، وكأن القائل بذلك ما سمع نهي الله تعالى عن دخول بيت نبيه وغير نبيه إلا بإذن, وأمر بالرجوع عند عدم الأذن، فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم } ,وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خيركم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم } .
صفحة ٢٨