مجموع الفتاوى

ابن تيمية ت. 728 هجري
88

مجموع الفتاوى

الناشر

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

مكان النشر

السعودية

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَصْلٌ جَامِعٌ: قَدْ كَتَبْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ قَبْلَ بَعْضِ الْقَوَاعِدِ: وَآخِرَ مُسَوَّدَةِ الْفِقْهِ: أَنَّ جِمَاعَ الْحَسَنَاتِ الْعَدْلُ وَجِمَاعَ السَّيِّئَاتِ الظُّلْمُ وَهَذَا أَصْلٌ جَامِعٌ عَظِيمٌ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْمَطْلُوبُ لِجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ وَهُوَ إخْلَاصُ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ وَمَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ هَذَا الْمَقْصُودُ: فَلَيْسَ حَسَنَةً مُطْلَقَةً مُسْتَوْجِبَةً لِثَوَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ حَسَنَةً مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لَهُ ثَوَابٌ فِي الدُّنْيَا. وَكُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ زَيْغٌ وَانْحِرَافٌ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ وَوَضْعٌ لِلشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهُوَ ظُلْمٌ. وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ وَالِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَذَمِّ الَّذِينَ شَرَعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ كَالشِّرْكِ وَتَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ أَوْ خَالَفُوا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ كإبليس وَمُخَالِفِي الرُّسُلِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ إلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَاَلَّذِينَ بَدَّلُوا الْكِتَابَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَاشْتَمَلَتْ السُّورَةُ عَلَى ذَمِّ مَنْ أَتَى بِدِينِ بَاطِلٍ كَكُفَّارِ الْعَرَبِ وَمَنْ خَالَفَ الدِّينَ الْحَقَّ كُلَّهُ كَالْكُفَّارِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَوْ بَعْضَهُ كَكُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَدْ جَمَعَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي الْأَنْعَامِ وَفِي غَيْرِهِمَا ذُنُوبَ الْمُشْرِكِينَ فِي نَوْعَيْنِ.

1 / 86