مجموع الفتاوى

ابن تيمية ت. 728 هجري
84

مجموع الفتاوى

الناشر

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

مكان النشر

السعودية

هَلْ فِيهِ بَدَلٌ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَمْ لَا؟ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ﴿مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ﴾ . فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ النَّذْرَ لِلْمَخْلُوقِينَ يَجْلِبُ لَهُ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَضَرَّةً فَهُوَ مِنْ الضَّالِّينَ كَاَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ عِبَادَةَ الْمَخْلُوقِينَ تَجْلِبُ لَهُمْ مَنْفَعَةً أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ مَضَرَّةً. وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قَدْ تَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيَاطِينُ وَقَدْ تُخَاطِبُهُمْ بِكَلَامِ وَقَدْ تَحْمِلُ أَحَدَهُمْ فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ تُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَقَدْ تَأْتِيهِ بِنَفَقَةِ أَوْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ لِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِ الْعَرَبِ وَهَذَا كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَغَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ لِلضَّالِّينَ الْمُبْتَدِعِينَ الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إمَّا بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَإِمَّا بِعِبَادَةِ لَمْ يَشْرَعْهَا اللَّهُ. وَهَؤُلَاءِ إذَا أَظْهَرَ أَحَدُهُمْ شَيْئًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنْ يَكُونَ حَالًا شَيْطَانِيًّا أَوْ حَالًا بهتانيا فَخَوَاصُّهُمْ تَقْتَرِنُ بِهِمْ الشَّيَاطِينُ كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْعُقَلَاءِ مِنْهُمْ وَقَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ لَكِنْ لَا تَقْتَرِنُ بِهِمْ الشَّيَاطِينُ إلَّا مَعَ نَوْعٍ مِنْ الْبِدْعَةِ إمَّا كَفْرٍ وَإِمَّا فِسْقٍ وَإِمَّا جَهْلٍ بِالشَّرْعِ. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَصْدُهُ إغْوَاءٌ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ كُفَّارًا جَعَلَهُمْ كُفَّارًا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى جَعْلِهِمْ فُسَّاقًا أَوْ عُصَاةً وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى نَقْصِ عَمَلِهِمْ وَدِينِهِمْ بِبِدْعَةِ يَرْتَكِبُونَهَا يُخَالِفُونَ بِهَا الشَّرِيعَةَ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ ﷺ فَيَنْتَفِعُ مِنْهُمْ بِذَلِكَ.

1 / 82