ألا ترى أنه لو أشبهها في بعض الشيء، لكان ذلك البعض مثلها في الحدث، والحدث لا يتعلق بقديم، لأنه لا يوجد متعلقا إلا في كله أو بعضه، وللكل والبعض نهاية، لأن الكل محدود، والبعض لا يتعلق إلا في متحرك أو ساكن، والمتحرك والساكن محدثان، ولو أشبهها في كل شيء لكان محدثا مثلها، ولو كان محدثا لما كان ربا، لأن المحدث مربوب والمربوب مخلوق، ولا فضل لمخلوق على مخلوق في معنى الحدث بعد العدم، فوجب أن الخالق لا يشبه المخلوق، وفي ذلك من الأدلة ما يكثر لو شرحناه، ويطول به (1) الكتاب لو ذكرناه.
فإن قال قائل ملحد، أو سأل سائل مسترشد: فما تنكرون من أن يكون الخالق مخلوقا، وخالقه مخلوق إلى ما لا نهاية له؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لأنك جعلت الكل مخلوقين، ويستحيل أن يكون(2) المخلوق ربا لمخلوق، إذ هما سواء في الحدث لا فرق بينهما.
ودليل آخر
إما أن تكون هذه المحدثات أحدثت وفعلت بأمر قديم، أو بأنفسها.
فإن قلت: بأنفسها، فهو محال، لأن المحدث مربوب، والمربوب لا فضل له على المربوبات، إذ سبيله سبيل المحدثات.
وإن قلت: إن الأصل هو القديم، أثبت الخالق سبحانه.
ودليل آخر
إذا كان الخالق آخر المخلوقات، وكان محدثا بعد محدثات، لم يخل ما قبله من المحدثات من أحد وجهين:
إما أن يكن كلهن مثله (3) في الحدث.
وإما أن يكون بعض محدثا وبعض (4) قديما.
فإن قلت: كلهن محدثات أوجبت لهن محدثا قديما بخلافهن أحدثهن وخلقهن.
وإن قلت: إن بعضهن محدث وبعضهن قديم. أوجبت أنهن على قسمين:
قسم محدث مخلوق.
وقسم خالق قديم.
والخالق لا يسمى: قسما، ولا بعضا.
صفحة ١٥١