فإن قلت: إن اختلافهما من فعل أنفسهما، فهذا محال لما علمنا من موتهما، لأن الميت لا يقي نفسه، فكيف بتدبيره لها، وإذا عجز الحي الحكيم عن تدبير نفسه، وتعذر عليه تحسين القبيح من صورته، فالموات أعجز من ذلك، وأجدر بالعجز عن أن يكون كذلك.
وإن قلت: إن اختلاف أجناسهما، وتغاير صفات أجسامهما، من قبل قدمهما، فالقدم لا يوصف بالاختلاف، ولا يتضاد في شيء من الأوصاف، ولأنه إن اختلف في شيء من أوصافه، وقع الفرق بينه لعلة اختلافه، وبطلان اتفاقه وائتلافه، لأن القديم صفة واحدة توجب الإئتلاف، ولا توجب المضادة والاختلاف، فلو كانت السماء والأرض قديمتين، لما كانتا في الأوصاف مختلفين، إذ لا فرق بين قدمهما، فلما وقع التفاضل بين أجزائهما، والاختلاف بين صور أجسامهما، صح عندنا بأيقن اليقين حدثهما، إذ لا فضل لقديم على قديم مثله ، ولا يخالفه إذ هو من شكله.
فإن قال بعض الملحدين بجهله، أو عارض بمكابرة عقله: وكذلك المحدث أيضا لا يخالف محدثا مثله، ولا يوجد في الأوصاف مغايرا له.
فالجواب في ذلك وبالله نستعين: أن اختلاف المحدثات أوجب من اختلاف القديم، لأن القديم لا فرق بين قدمه، ولا مخالف بينه، فيدل فيفصل بعضه على بعض، والمحدثات أضداد مختلفة، وفي الدلالة على الصانع مؤتلفة، واختلاف أجناسها دليل على المخالف بينها، ليعلم أنه سبحانه بخلافها، وتصرف أحوالها دليل على مصرفها، لأنا لما وجدنا السماء قد خصت بالسمو والارتفاع، وخصت الأرض بالهبوط والاتضاع، علمنا أن مختصا خالف بينهما، ودل بذلك على حدوثهما، ومما يدل أيضا على حدوث الأرض إذ هي أقربهما إلينا، وأنشرهما مشاهدة علينا، أنا لما نظرنا إليها، وما أظهر الله من الدلائل عليها، فوجدناها على ضربين مختلفين:
صفحة ١١٧