نعم ما فعل فيما أري الذين استقصوا علم الفلسفة، يا سورس ، في تقديمهم (¬1) جزء الفلسفة النظري علي (¬2) العملي؛ لأنه وإن كان الجزء العملي من قبل أن يكون عمليا فهو نظري، فإن ما يوجد من الخلاف بينهما عظيم ليس من قبل أن بعض الفضائل الخلقية قد يمكن أن يكون في كثير من الناس بلا تعلم. وأما الأشياء النظرية فجميعها لا يمكن أن يصير إلي معرفتها أحد بلا تعلم فقط، لكن من قبل أن المؤدي إلي الغاية المطلوبة أما في الجزء العملي فكثرة المواظبة علي العمل، وأما في الجزء النظري فالازدياد من النظر. ولذلك رأينا أنه ينبغي أن يكون إصلاحنا (¬3) للعمل نتفقده (¬4) بأوهامنا /H5/ لئلا يزول ولا في يسير من الأمور عن الفحص (¬5) المؤدي إلي الحال الجميلة المنتظمة ونجعل أكثر تشاغلنا في طلب علم الأشياء النظرية، لكثرتها وفضل حسنها، (¬6) وخاصة في الأمور التي خصت بأن سميت تعليمية. فما أحسن ما قسم أرسطاطاليس الجزء النظري إذ قسمه (¬7) إلي أجناس أول ثلاثة إلي الطبيعي والتعليمي والإلهي. لأن قوام (¬8) جميع الأشياء من العنصر والصورة والحركة؛ وليس يمكن أن يكون واحد من هذه الثلاثة علي الانفراد موجودا بالفعل، وقد يمكن أن يعقل كل واحد منها دون غيره. فالعلة الأولي لحركة الكل الأولي، إذا توهمنا الحركة مفردة، رأينا أنه إله "لا مرئي" ولا متحرك، B وسمينا صنف البحث عنه إلهيا، وهذا العقل نعقله في أعلي علو العالم فقط مباينا ألبتة للجواهر المحسوسة. /T36/ وأما صنف البحث عن الكيفية العنصرية الدائمة التعاقب كالبياض (¬9) والحلاوة واللين وأشباه ذلك فيسمي طبيعيا؛ والجوهر الذي فيه هذه يوجد علي الأكثر في الأشياء التي يعرض لها الفساد التي هي دون كرة القمر. وأما الصنف المبين عن /H6/ حال الصور وحركات النقلة وهو الذي يبحث عن الشكل والعدد والعظم والمكان والزمان وما أشبه ذلك فيسمي تعليميا. والجوهر الذي فيه هذه كالوسط بين ذينك الجوهرين ليس فقط لأنه (¬10) قد يعقل بالحس وبغير الحس، لكن من قبل أنه مشترك أيضا لجميع الأجسام ما يفسد منها وما لا يفسد: فهو فيما يفسد يتغير معه في الصورة التي لا تفارق المادة، وفيما لايفسد أعني في الطبيعة السماوية تبقي في صورته بلا تغير.
فلما رأينا أن جنسين من الثلاثة الأجناس التي يبحث عنها الجزء النظري أنما يدركان من جهة ما هو أشبه وأجزي لا بالمعرفة الحقيقية أما الإلهي فلاستعلائه (¬11) عن الظهور للحس وأن يحاط به، وأما الطبيعي فلأن العنصر غير ثابت الحال خفيا؛ ولذلك لم يرج اتفاق الحكماء فيهما. ورأينا أن الجزء التعليمي فقط إن استقصينا فيه البحث استفدنا به علما حقيا ثابتا، لأن براهينه تكون بطريق لا شك فيه وهي العدد والهندسة دعانا ذلك إلي العناية بهذا العلم كله بقدر الطاقة أكثر من جميع الأشياء وخاصة بعلم الأجرام السماوية. لأن البحث في هذا العلم عن أشياء علي حال واحدة دائما. /H7/ ولذلك يمكن أن يكون هذا العلم في نفسه لثباته وحسن نظامه علي حال واحدة دائما وهذه خاصة العلم الحقيقي. (¬12) ويمكن أيضا أن يعين علي علم الجنسين الآخرين لأنه يطرق إلي العلم الإلهي أكثر من تطريق جميع العلوم، وذلك لأنا بهذا العلم فقط نقدر علي الوصول إلي تصور ذلك العقل الذي يكون بلا حركة ولا يشوب (¬13) المادة من قبل قربه (¬14) مما يلزم الجواهر المحسوسة المحركة والمحركة التي هي دائمة لا متغيرة، من (¬15) الأدوار ونظام الحركات. وعلم الأجرام السماوية ينفع في العلم الطبيعي منفعة عظيمة لأن جمل (¬16) خواص الجوهر العنصري أنما يتبين من خاصة حركة النقلة لأنا نعرف أن كان الجرم يفسد أو لا يفسد إذا نظرنا في حركته هل هي علي الاستقامة أو علي استدارة ونعرف أن كان الجرم ثقيلا أو خفيفا أو منفعلا أو فاعلا إذا نظرنا في حركته هل هي إلي الوسط أو من الوسط. /T37/ وقد يدعونا أيضا علم الأجرام السماوية إلي الفضيلة في العقل والخلق أكثر من جميع العلوم لما نري في الأجسام السماوية من ثبات الحال وحسن الترتيب والاعتدال وأنه ليس في شيء من أمرها فضل ولا ما لا يحتاج إليه وتدعونا معرفة هذا الجنس إلي العشق له وتكتسب النفس بذلك عادة وطبيعة لما يشبه هذه الحال.
صفحة ٢