المغاز
محقق
مارسدن جونس
الناشر
دار الأعلمي
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٩/١٩٨٩.
مكان النشر
بيروت
تصانيف
السيرة النبوية
لَا نَأْمَنُ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ، إنّمَا تَخَلّفَ نِسَاءٌ وَذُرّيّةٌ، وَمَنْ لَا طَعْمَ [(١)] بِهِ فَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ [(٢)] ! فَتَصَوّرَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. قَدْ عَرَفْتُمْ شَرَفِي وَمَكَانِي فِي قَوْمِي، أَنَا لَكُمْ جَارٍ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَطَابَتْ نَفْسُ عُتْبَةَ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
فَمَا تُرِيدُ؟ هَذَا سَيّدُ كِنَانَةَ وَهُوَ لَنَا جَارٍ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ. فَقَالَ عُتْبَةُ:
لَا شَيْءَ، أَنَا خَارِجٌ! وَكَانَ الّذِي بَيْنَ بَنِي كِنَانَة وقريش فِيمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ فِرَاسٍ اللّيْثِيّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ زَيْدٍ اللّيْثِيّ، أَنّ ابْنًا لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أحد بنى معيص بن عامر بن لوى خَرَجَ يَبْغِي ضَالّةً لَهُ، وَهُوَ غُلَامٌ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ، وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا، فمر بعامر بن يزيد ابن عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ بْنِ يَعْمُرَ، وَكَانَ بِضَجْنَانَ [(٣)]، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: ابْنٌ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ. فَقَالَ: يَا بَنِي بَكْرٍ، لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ دَمٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: مَا كَانَ رَجُلٌ يَقْتُلُ هَذَا بِرَجُلِهِ إلّا اسْتَوْفَى.
فَأَتْبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِدَمٍ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ. فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ: قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ، فَمَا شِئْتُمْ؟ فَإِنْ شِئْتُمْ فأدوا مالنا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّي إلَيْكُمْ مَا كَانَ فِينَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هُوَ الدّمُ، رَجُلٌ بِرَجُلٍ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَتَجَافَوْا عَنّا فِيمَا قِبَلَنَا، وَنَتَجَافَى عَنْكُمْ فِيمَا قِبَلَكُمْ. فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: صَدَقَ، رَجُلٌ بِرَجُلٍ! فَلَهَوْا عَنْهُ أَنْ يَطْلُبُوا بِدَمِهِ.
فَبَيْنَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ بِمَرّ الظّهْرَانِ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ، وَهُوَ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَلَمّا رَآهُ قَالَ: مَا أَطْلُبُ أَثَرًا بعد عين!
[(١)] الطعم بالضم: الطعام والقدرة. (القاموس المحيط، ج ٤، ص ١٤٤) . [(٢)] فى ت: «رأيكم» . [(٣)] ضجنان: جبل بناحية مكة على طريق المدينة. (معجم ما استعجم، ص ٦١٨) .
1 / 38