المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، تحيرت العقول في كنه معرفته، ونضبت البحور في بحر هويته، الذي خلق الخلائق بقدرته، وجعلهم آية لربوبيته ونصب لهم الأدلة الواضحة، والحجج اللائحة، وبعث إليهم أنبياء، وجعلهم سفراء بينه وبينهم، يرغبونهم في جزيل ثوابه، ويرهبونهم من شديد عقابه ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ (1).
والصلاة على خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، محمد النبي وآله الطاهرين، النجوم الزاهرة والحجج اللامعة، الذين جعلهم الله تعالى معصومين من الخطأ، مأمونين عليهم عن السهو في السراء والضراء، ليأمن بذلك من يفزع إليهم من التغيير في الدين، ويحصل لهم فيما سألهم العلم اليقين.
أما بعد:
فإني مذ كنت ابن عشرين، حتى ذرف سني إلى خمسين، متشوق إلى جمع كتاب يشتمل فصولا جامعة للزهد والموعظة، والترغيب والترهيب، من الأخبار المنقولة عن الأئمة الأطهار، والآثار المأثورة عن الرواة الأخيار، محجوجة بالقرآن، متأيدة بالبرهان، مضبوطة بالإسناد، مربوطة بالإرشاد،
صفحة ٣١
كاشفة للقلوب، زائلة (١) للكروب، وأنا مجتهد لاستجماع ذلك، تائق إلى ترتيبه، ولكن تقطعني عن ذلك القواطع، وتشغلني الشواغل، وتضعف نيتي وعلمي بأن همم أهل العصر تقاصرت عن بلوغ أدناها، فضلا عن الترقي إلى أعلاها، فلذا لو أرغب فيه أحيانا، أعرض عنه أزمانا، حتى مضت على تردد عزمي أيام وقرنت بها أعوام، ثم اهتز خاطري، وتذكرت (٢) طويتي، على أن للزواجر منازل رفيعة، وفي التذكرة منافع كثيرة، لقوله عز وجل: ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ (٣)، وقال عز شأنه: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ (4).
وقال علي (عليه السلام): المرشد بنيته ما جرى بالخير، لا لما عمل به غيره أو ذكر أنه منه، بل بحسن طويته وإخلاص دواعيه.
فلما تيقنت حقيقة ذلك، وأردت أن أسعى فيه سعيا جميلا، وأسلك فيه وإن كان قليلا، لم التفت إلى قلة رغبات أهل الزمان، وترك عنايتهم في طلب الأديان، واستخرت الله سبحانه في جميع ذلك ، فرتبت هذا الكتاب على أحسن ترتيب، وأتقن تهذيب، وسلكت فيه طريق الايجاز والاختصار، وتجنبت التطنيب والاكثار.
وابتدأت أولا بذكر معرفة الله تعالى والتوحيد والعدل، وثانيا بذكر النبوة والإمامة، وبعد ذلك أوردت أشياء كما يذكر في فهرسته، وستقف على ذلك إن شاء الله تعالى، وسميته ب (معارج اليقين في أصول الدين) (5)، ثم تضرعت إلى الله سبحانه وتعالى ليجعل ذلك خالصا لرضاه، ويجعلني ممن يتقيه ويخشاه، إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول، وهو حسبي ونعم الوكيل.
صفحة ٣٢
الفصل الأول في معرفة الله تعالى (1 / 1) قال الله تعالى في سورة البقرة:
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون *) (2 / 2) وقال في هذه السورة:
(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون *) (3 / 3) وقال في سورة آل عمران:
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار *)
صفحة ٣٣
(4 / 4) وقال في سورة الأعراف:
(إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين *) (5 / 5) وقال في سورة الأعراف:
(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) (6 / 6) وقال في سورة الروم:
(أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق *) (7 / 7) وقال في سورة ق:
(أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب * ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد *) (8 / 8) وقال في سورة الذاريات:
(وفي الأرض أيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون * وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون *)
صفحة ٣٤
(9 / 9) وقال في سورة عبس:
(فلينظر الإنسان إلى طعامه * إنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتون ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا * متاعا لكم ولأنعامكم *) (10 / 10) وقال في سورة الطارق:
(فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب *) (11 / 11) وقال في سورة الغاشية:
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر *) (12 / 12) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه.
(13 / 13) سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن إثبات الصانع، فقال:
البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلى بهذه الكثافة، كيف لا يدلان على اللطيف الخبير؟
(14 / 14) قال (عليه السلام) بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالتفكر تثبت حجته، معروف بالدلالات، مشهود بالبينات.
(15 / 15) وسئل جعفر الصادق (عليه السلام): ما الدليل على صانع العالم؟ قال: رأيت (1) حصنا (2) مزلقا أملس لا فرجة فيه ولا خلل، ظاهره من
صفحة ٣٥
فضة مائعة، وباطنه من ذهب مائع، انفلق منه طاووس وغراب ونسر وعصفور، فعلمت أن للخلق صانعا.
(16 / 16) علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليه السلام) أنه قال: سأل يهودي أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله؟. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما ما لا يعلمه الله لا يعلم أن له ولدا (1)، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم، وأما ما ليس لله فليس لله شريك، فقال اليهودي. وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
(17 / 17) وقال: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال:
ما رأس العلم؟ قال: معرفة الله حق معرفته قال: وما حق معرفته؟ قال:
أن تعرفه بلا مثال ولا شبيه، وتعرفه إلها واحدا خالقا قادرا، أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، لا كفو له، ولا مثل له، وذلك معرفة الله حق معرفته.
(18 / 18) وقال النبي (صلى الله عليه وآله): أفضلكم إيمانا أفضلكم معرفة.
(19 / 19) وسئل علي أمير المؤمنين (عليه السلام): بما عرفت ربك؟
قال: بما عرفني نفسه، ولا يشبه (1) بصورة، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، وبعيد في قربه، قوي فوق كل شئ، ولا يقال: شئ تحته، وتحت كل شئ ولا يقال: شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال، شئ خلفه، وخلف كل شئ ولا يقال: شئ أمامه، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره.
صفحة ٣٦
الفصل الثاني في التوحيد (20 / 1) قال الله تعالى في سورة البقرة:
(وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون *) (21 / 2) وقال الله تعالى في سورة إبراهيم:
(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون *) (22 / 3) عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): بإسناده، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): التوحيد نصف الدين.
(23 / 4) وقال: جاء رجل يهودي إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)
صفحة ٣٧
[و] قال له: متى كان ربنا؟ فقال (عليه السلام): إنما يقال متى كان لشئ لم يكن فكان، هو كائن بلا كينونة، كائن بلا كيف يكون، كائن بلا كيف كان، كان لم يزل بلا كيف يكون، لا يزال بلا كيف، كان قبل القبل بلا قبل، قد أجمع الغاية عنده فهو غاية كل غاية.
(٢٤ / ٥) وسئل جعفر بن محمد بن علي (عليه السلام) عن قوله تعالى:
﴿الرحمان على العرش أستوى﴾ (١) قال: استوى من كل شي، فليس شئ أقرب إليه من شئ.
(٢٥ / ٦) وسئل محمد بن الحنفية عن الصمد، فقال: قال علي (عليه السلام): تأويل الصمد: لا اسم ولا جسم، ولا مثل ولا شبه، ولا صورة ولا تمثال، ولا حد ولا محدود، ولا موضع ولا مكان، ولا كيف ولا أين، ولا هنا ولا ثمة، ولا على ولا خلاء ولا ملاء، ولا قيام ولا قعود، ولا سكون ولا حركات، ولا ظلماني ولا نوراني، ولا روحاني ولا نفساني، ولا يخلو منه موضع ولا يسعه موضع، ولا على لون، ولا خطر على قلب، ولا على شم رائحة، منفي من هذه الأشياء.
(٢٦ / ٧) عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر، ومن نسب إليه ما نفى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية ﴿إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون﴾ (1).
(27 / 8) قال: دخل علي بن الحسين (عليه السلام) في مسجد المدينة فرأى قوما يختصمون، قال لهم: فيم تختصمون؟ قالوا: في التوحيد،
صفحة ٣٨
قال: اعرضوا علي مقالتكم قال بعض القوم: إن الله يعرف بخلق (1) سماواته وأرضه، وهو في كل مكان. قال علي بن الحسين (عليه السلام) قولوا: نور لا ظلام فيه، وحياة لا موت فيه، وصمد لا مدخل فيه ثم قال: من كان ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وكان نعته لا يشبه نعت شئ فهو ذاك.
(28 / 9) وسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) ما الدليل على إثبات الصانع؟ قال: ثلاثة أشياء: تحويل الحال، وضعف الأركان، ونقض الهمة.
(29 / 10) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى وعدني وأهل بيتي خاصة من أقر منهم بالتوحيد فله الجنة.
(30 / 11) وقال (صلى الله عليه وآله): ما جزاء من أنعم الله عليه بالتوحيد إلا الجنة.
(31 / 12) وكان جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: من زعم أن الله في شئ أو من شئ أو على شئ فقد أشرك قال: لأنه لو كان على شئ لكان محمولا، ولو كان في شئ لكان محصورا، ولو كان من شئ لكان محدثا.
صفحة ٣٩
الفصل الثالث في العدل (32 / 1) قال الله تعالى في سورة يونس:
(إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون *) (33 / 2) وقال في سورة آل عمران:
(وما الله يريد ظلما للعالمين *) (34 / 3) وقال في سورة غافر:
(وما الله يريد ظلما للعباد *) (35 / 4) وقال في سورة الزمر:
(ولا يرضى لعباده الكفر *) (36 / 5) وقال في سورة البقرة:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر *)
صفحة ٤١
(37 / 6) وقال في سورة النحل:
(إن الله يأمر بالعدل الإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي *) (38 / 7) روى حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله أجبر خلقه على المعاصي فهذا قد ظلم الله تعالى في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا قد وهن سلطان الله فهو كافر، ورجل يزعم أن الله تعالى كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهو مسلم بالغ.
(39 / 8) روى عباد بن صهيب: أن أبا حنيفة سأل موسى بن جعفر بن محمد، الكاظم (عليه السلام) وهو شاب حدث فقال له: ممن المعاصي يا فتى؟ فقال: يا كهل، لا تخلو من إحدى ثلاث: إما أن تكون من الله، أو من العباد، أو منهما جميعا، فإن كانت من الله فالعباد منها براء، وإن كانت منهما جميعا فهما شريكان أحدهما أقوى من الآخر، وليس للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف فيشاركه في المعصية ويفرده في العقوبة، فما بقي إلا أن تكون من العباد فقام أبو حنيفة وقبل بين عينيه وقال: أنت ابن رسول الله حقا.
صفحة ٤٢
الفصل الرابع في فضائل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) (40 / 1) قال الله تعالى في سورة آل عمران:
(ألم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام *) (41 / 2) وقال في سورة آل عمران:
(لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين *) (42 / 3) وقال في سورة الأنعام:
(وأوحي إلي القرآن لأنذركم به ومن بلغ *) (43 / 4) وقال في سورة الأعراف:
(يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات
صفحة ٤٣
والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته *) (44 / 5) وقال في سورة الأنفال:
(يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون *) (45 / 6) وقال في سورة الأنفال:
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون *) (46 / 7) وقال في سورة الأحزاب:
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين *) (47 / 8) وقال في سورة النجم:
(والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى *) (48 / 9) حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله) قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن هلال، عن الفضل بن ذكين، عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: أتى يهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله تعالى وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظله بالغمام؟ فقال له النبي: أنه يكره
صفحة ٤٤
للعبد أن يزكي نفسه، ولكن أقول: إن آدم (عليه السلام) لما أصاب (١) الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي، فغفر الله له.
وأن نوحا لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد (لما أنجيتني) (٢) من الغرق، فنجاه الله عنها.
وأن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما.
وأن موسى لما ألقى عصاة فأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد (لما أمنتني) (٣) منها، فقال الله جل جلاله: ﴿لا تخف إنك أنت الأعلى﴾ (4).
يا يهودي: إن موسى (عليه السلام) لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة.
يا يهودي: ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه.
(49 / 10) وقال الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (رحمه الله): حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن الضحاك قال: أخبرنا عزيز (1) بن عبد الحميد، عن إسماعيل بن طلحة، عن
صفحة ٤٥
كثير بن عمير (1)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من نور (2)، فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا، فسبحنا فسبحوا وقدسنا فقدسوا وهللنا فهللوا ومجدنا فمجدوا ووحدنا فوحدوا، ثم خلق الله السماوات والأرضين، وخلق الملائكة، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا ولا تمجيدا، فسبحنا فسبحت شيعتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا، وقدسنا فقدست شيعتنا فقدست الملائكة لتقديسنا، ومجدنا فمجدت شيعتنا ومجدت الملائكة لتمجيدنا، ووحدنا فوحدت شيعتنا فوحدت الملائكة لتوحيدنا، وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا، فنحن الموحدون حين لا موحد غيرنا، وحقيق على الله تعالى كما اختصنا واختص شيعتنا أن ينزلنا في أعلى عليين.
إن الله سبحانه وتعالى اصطفانا واصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساما، فدعانا وأجبنا، فغفر لنا ولشيعتنا من قبل أن نسبق أن نستغفر الله.
(50 / 11) حدثنا محمد بن إبراهيم الطالقاني قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي بالبصرة قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا محمد بن زكريا، عن عبد الواحد بن غياث، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقول: إن الله تبارك وتعالى خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين من نور.
صفحة ٤٦
الفصل الخامس في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (51 / 1) قال الله تعالى في سورة المائدة:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (52 / 2) حدثنا الحاكم الرئيس الإمام مجد الحكام أبو منصور علي بن عبد الله الزيادي (أدام الله جماله) إملاء في داره يوم الأحد الثاني من شهر الله الأعظم رمضان سنة ثمان وخمسمائة قال: حدثني الشيخ الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الدرويستي إملاءا ورد القصبة مجتازا في أواخر ذي الحجة سنة أربع وسبعين وأربعمائة قال: حدثني أبو محمد بن أحمد (رضي الله عنه) قال:
حدثني الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (رضي الله عنه) قال:
حدثني أبي قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زرارة بن أعين الشيباني قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى مكة في حجة الوداع فلما انصرف منها - وفي خبر آخر: وقد شيعه من مكة اثنا عشر ألف رجل من اليمن، وخمسة آلاف رجل من المدينة - جاءه جبرائيل (عليه السلام) فقال له: يا رسول الله إن الله تعالى
صفحة ٤٧
يقرؤك السلام، وقرأ هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرائيل إن الناس حديثو عهد بالإسلام فأخشى أن يضطربوا ولا يطيعوا، فعرج جبرائيل إلى مكانه ونزل عليه في اليوم الثاني ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلا بغدير فقال له: يا محمد قال الله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) فقال له: يا جبرائيل أخشى من أصحابي من أن يخالفوني، فعرج جبرائيل ونزل عليه في اليوم الثالث، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بموضع يقال له: غدير خم وقال له: يا رسول الله قال الله تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾ (١) فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه المقالة قال للناس: أنيخوا ناقتي، فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي.
وأمر أن ينصب له منبر من أقتاب (٢) الإبل، وصعدها وأخرج معه عليا (عليه السلام) وقام قائما، وخطب خطبة بليغة ووعظ فيها وزجر، ثم قال في آخر كلامه: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، ثم قال: قم يا علي، فقام علي، وأخذ بيده فرفعها حتى رؤي بياض إبطيه، ثم قال: ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
ثم نزل من المنبر وجاء أصحابه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهنوه بالولاية، وأول من قال له عمر بن الخطاب فقال له: يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ونزل جبرئيل بهذه الآية ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (3).
(53 / 3) سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل
صفحة ٤٨
﴿يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها﴾ (1) قال: (يعرفونها) يوم الغدير، و (ينكرونها) يوم السقيفة (2).
فاستأذن حسان بن ثابت أن يقول أبياتا في ذلك اليوم، فأذن له، فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالرسول مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم؟ فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا إلهك مولانا وأنت ولينا * وما لك منافي المقالة عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * نصبتك من بعدي إماما وهاديا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا فخص بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.
فلما كان بعد ثلاثة جلس النبي (صلى الله عليه وآله) مجلسه، فأتاه رجل من بني مخزوم ويسمى عمر بن عتبة - وفي خبر آخر: حارث بن نعمان الفهري.
فقال: يا محمد أسألك عن ثلاث مسائل فقال: سل عما بدا لك.
فقال: أخبرني عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أمنك أم من ربك؟
قال النبي (صلى الله عليه وآله): الوحي إلي من الله، والسفير جبرائيل، والمؤذن أنا وما أذنت إلا من أمر ربي.
قال: وأخبرني عن الصلاة والزكاة والحج والجهاد أمنك أم من ربك؟
قال النبي (صلى الله عليه وآله) مثل ذلك.
قال: فأخبرني عن هذا الرجل - يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)
صفحة ٤٩
وقولك فيه: من كنت مولاه فهذا علي مولاه إلى آخره، أمنك أم من ربك؟
قال النبي (صلى الله عليه وآله) الوحي من الله، والسفير جبرائيل، والمؤذن أنا، وما أذنت إلا ما أمرني ربي، فرفع المخزومي رأسه إلى السماء فقال؟ اللهم إن كان محمد صادقا فيما يقول فأرسل علي شواظا من نار - وفي خبر آخر في التفسير إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم - وولى، فوالله ما سار غير بعيد حتى أظلته سحابة سوداء فأرعدت وأبرقت فأصعقت فأصابته الصاعقة فأحرقته النار، فهبط جبرائيل وهو يقول: اقرأ يا محمد (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج) (3).
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: رأيتم؟ قالوا: نعم، قال:
وسمعتم؟ قالوا: نعم قال: طوبى لمن والاه والويل لمن عاداه، كأني أنظر لعلي وشيعته يوم القيامة يزفون على نوق بين رياض الجنة، شباب جرد مرد، متوجون مكحلون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قد أيدوا برضوان من الله الأكبر ذلك هو الفوز العظيم، حتى سكنوا حضيرة القدس من جوار رب العالمين، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، وتقول لهم الملائكة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
(54 / 4) روي عن سعيد بن جبير بإسناد صحيح، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ولاية علي بن أبي طالب ولاية الله، وحبه عبادة الله، واتباعه فريضة الله، وأولياؤه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله وحربه حرب الله، وسلمه سلم الله عز وجل.
(55 / 5) روي عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرائيل من قبل ربي جل جلاله فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول
صفحة ٥٠
لك: بشر أخاك عليا بأني لا أعذب من تولاه ولا أرحم من عاداه.
(56 / 6) روي بإسناد صحيح إلى جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن في علي خصالا لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا.
قوله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه.
وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مني كهارون من موسى.
وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مني وأنا منه.
وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.
وقوله (صلى الله عليه وآله): حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.
وقوله (صلى الله عليه وآله): ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.
وقوله (صلى الله عليه وآله): علي حجة الله، وخليفته على عباده.
وقوله (صلى الله عليه وآله): حب علي إيمان، وبغضه كفر.
وقوله (صلى الله عليه وآله): حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.
وقوله (صلى الله عليه وآله): علي مع الحق، والحق معه، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.
وقوله (صلى الله عليه وآله): علي قسيم الجنة والنار.
وقوله (صلى الله عليه وآله ): من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عز وجل.
وقوله (صلى الله عليه وآله): شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة.
(57 / 7) حدثنا أحمد بن محمد الصائغ قال: حدثنا عيسى بن محمد
صفحة ٥١