فالنية لا تؤثر في إخراج الفعل عن كونه ظلما ومعصية، بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شرع آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله كان عاصيا بالجهل وارتكاب الفعل، إذ «طلب العلم فريضة على كل مسلم»"، وبالله التوفيق.
قال أبو سعيد - رضي الله عنه - : معي أنه قد قال: إن على العبد أن ينوي لو قدر على أن يملأ الأرض عدلا، وأن لا يعصي الله أحد إلا أخذ على يده، وهذا عليه فرض إذا خطر ذلك بباله وعرف معنى ذلك والمراد به، فإذا جهل النية لذلك، وعرف أن عليه أن يقوم بالعدل إذا قدر عليه فأرجو أن يجزئه ذلك.
قلت: ووجه ذلك أن القصد إلى رضى الله تعالى، والنية في أداء طاعته من الأمور الاعتقادية التي إذا ضيعها هلك، فليست النية مقصورة على ما لزمه في الحال من الطاعات، بل هي عامة للفرائض الحاضرة وغير الحاضرة، ولجميع الطاعات؛ فإنه لو نوى أن لا يفعل شيئا مما يأمره الله به في المستقبل كان بذلك عاصيا محاددا خارجا عن أمر ربه؛ لأن الله قد أوجب على الناس طاعته، ومن نوى العصيان فغير مطيع، والله أعلم.
قال بشير -رحمه الله-: لا أعلم أن أصحابنا اختلفوا في الذي يعمل شيئا من الفرائض أنه يقدم نية في ذلك.
وقال غيره: نية المسلم متقدمة في أداء الفرائض، فإن حدث له ذكر ذلك حين قيامه إلى عمل ذلك ودخوله، فعليه تقديم النية وتجديدها، وإن لم يحدث له ذكر ذلك كانت النية المتقدمة مجزية له عن ذلك.
صفحة ٢٢٦