قال الفخر: حكى الخطيب في تاريخ بغداد عن عمرو بن عبيد أنه قال: لما سمع حديث الصحيحين عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون [علقة] مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه ملكا فينفخ فيه الروح، فيؤمر بأربع /93/ كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق إليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
قال عمرو بن عبيد: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته، ولو سمعت عبد الله بن مسعود يقول هذا ما قبلته، ولو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله - عز وجل - يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا".
فهذا عمرو بن عبيد من أكابر المعتزلة ومن أهل فضلها، وهذا قوله في رد هذا الحديث حيث لم يوافق حكم عقله، فزعم فيما حكي عنه: أنه لو سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك لرده، أو سمعه من الله تعالى لخاصمه، ولقد صدق فيهم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «القدرية خصماء الله في القدر».
صفحة ١٧٥