من ذلك ما قال الله سبحانه في الصلاة الموجبة والزكاة المفترضة؛ حين يقول: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة:43، وغيرها]. فزعمت هذه الأمة فيما ذكرت، وبه على الله سبحانه اجترأت، أو من قال بذلك منها؛ أنه لم يكن من الله جل جلاله وعظم عن كل شأن شأنه في الصلاة غير ما أمر به من إقامتها، وأنه لم يحد لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من حدودها، ولم يوقفه على ما به كمالها؛ من ركوعها وسجودها وعدد ركعاتها، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخترع ذلك من نفسه، وسنه لأمته، وجعله دينا لها من ذاته. وأن شرائع الزكوات وما به تجب الزكاة في الأوقات المفروضات المؤقتات، وما يؤخذ من الأموال الصامتة والأنعام السائمة والأطعمات، وما يجب في التجارات من الأعشار وأنصافها، وما حدد في ذلك كله من الحدود المعروفة، وأوقف عليه في كل ذلك من الأفعال المفهومة؛ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا من الله؛ وأن ذلك شيء فعله برأيه، واختاره بتمييزه(1)، وفعله باجتهاده، وفرضه على أمته، دون خالق المخلوقين، وإله العالمين.
وكذلك قالوا في جميع الفرائض(2) المفروضة، والفروع المفرعة(3).
فزعمت هذه الأمة، أو من قال بذلك منها: أن ما كان في الكتاب ناطقا موصولا؛ فهو من الله فرض مفترض، وما كان من تفريع الأصول، وتمييز ما ميز صلى الله عليه وآله وسلم من الفصول؛ فإنه منه لا من الله، وأنه فعله لا فعل الله، ثم سموا ذلك الفرع سنة، وأخرجوا معنى السنة من الفريضة، وتوهموا أن ذلك كما قالوا، ولم يعلموا ما عليهم في ذلك، حتى حكموا به وسموه كذلك.
صفحة ٦٥١