الثَّالِث أَنا بَينا أَن الْقُدْرَة على الْكفْر والداعية إِلَيْهِ من خلق الله تَعَالَى ومجموعهما يُوجب الْكفْر فَإِذا كلفه بِالْإِيمَان فقد كلفه بِمَا لَا يُطَاق
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة نَحن نعلم بِالضَّرُورَةِ أَن لنا محبوبا وَأَن لنا مبغوضا
ثمَّ إِنَّه لَا يجب أَن يكون كل مَحْبُوب إِنَّمَا كَانَ محبوبا لإفضائه إِلَى شَيْء آخر وَأَن يكون كل مبغوض إِنَّمَا كَانَ مبغوضا لإفضائه إِلَى شَيْء آخر وَإِلَّا لزم إِمَّا الدّور وَإِمَّا التسلسل وهما باطلان فَوَجَبَ الْقطع بِوُجُود مَا يكون محبوبا لذاته لَا لغيره بِوُجُود مَا يكون مبغوضا لذاته لَا لغيره
ثمَّ لما تأملنا علمنَا أَن المحبوب لذاته هُوَ اللَّذَّة وَالسُّرُور وَدفع الْأَلَم وَالْغَم وَأما مَا يغاير هَذِه الْأَشْيَاء فَإِنَّهُ يكون محبوبا لإفضائه إِلَى أحد هَذِه الْأَشْيَاء وَأما المبغوض لذاته فَهُوَ الْأَلَم وَالْغَم وَدفع اللَّذَّة وَالسُّرُور وَأما مَا يغاير هَذِه الْأَشْيَاء فَإِنَّهُ يكون مبغوضا لغيره
إِذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَاعْلَم أَن مَذْهَبنَا أَن الْحسن والقبح ثابتان فِي الشَّاهِد بِمُقْتَضى الْعقل
وَأما فِي حق الله تَعَالَى فَهُوَ غير ثَابت الْبَتَّةَ
أما بَيَان أَنه ثَابت بِمُقْتَضى الْعقل فِي الشَّاهِد فَيدل عَلَيْهِ وُجُوه
أَحدهَا أَن اللَّذَّة وَالسُّرُور وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِمَا أَو إِلَى أَحدهمَا مَحْكُوم عَلَيْهِ بالْحسنِ من هَذِه الْجِهَة بِمُقْتَضى بديهة الْعقل وَإِن الْأَلَم وَالْغَم وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِمَا أَو إِلَى أَحدهمَا مَحْكُوم عَلَيْهِ بالقبح
وَوُجُوب الدّفع من هَذِه الْجِهَة بِمُقْتَضى الْفطْرَة إِلَّا إِذا صَارَت هَذِه الْجِهَة مُعَارضَة بغَيْرهَا فَحِينَئِذٍ يَزُول هَذَا الحكم مثلا أَن الْفسق وَإِن كَانَ يُفِيد نوعا من اللَّذَّة إِلَّا أَن الْعقل يمْنَع عَنهُ وَإِنَّمَا يمْنَع مِنْهُ لاعْتِقَاده أَنه يستعقب ألما وغما زَائِدا
وَهَذَا يُفِيد أَن جِهَة الْحسن والقبح وَالتَّرْغِيب والترهيب لَيْسَ إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ
1 / 92