الرَّابِع أَن قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّا أرسلنَا نوحًا﴾ وَإِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر أَخْبَار عَن الْمَاضِي وَهَذَا إِنَّمَا يَصح أَن لَو كَانَ الْمخبر عَنهُ سَابِقًا على الْخَبَر فَلَو كَانَ الْخَبَر مَوْجُودا فِي الْأَزَل لَكَانَ الأزلي مَسْبُوقا بِغَيْرِهِ وَهُوَ محَال
وَالْجَوَاب أَن كل مَا ذكرْتُمْ فِي الْأَمر وَالنَّهْي معَارض بِالْعلمِ فَإِن الله تَعَالَى لَو كَانَ عَالما فِي الْأَزَل بِأَن الْعَالم مَوْجُود لَكَانَ ذَلِك جهلا وَلَو كَانَ عَالما بِأَنَّهُ سيحدث فَإِذا أوجده وَجب أَن يَزُول الْعلم الأول فَحِينَئِذٍ يلْزم عدم الْقَدِيم
وَبِالْجُمْلَةِ فَجَمِيع مَا ذَكرُوهُ من الشُّبُهَات معَارض بِالْعلمِ
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة قَالَت الْحَنَابِلَة كَلَام الله تَعَالَى لَيْسَ إِلَّا الْحُرُوف والأصوات وَهِي قديمَة أزلية
وأطبق الْعُقَلَاء على أَن الَّذِي قَالُوهُ جحد للضروريات ثمَّ الَّذِي يدل على بُطْلَانه وَجْهَان
الْوَجْه الأول أَنه إِمَّا أَن يُقَال إِنَّه تكلم بِهَذِهِ الْحُرُوف دفْعَة وَاحِدَة أَو على التَّعَاقُب فَإِن كَانَ الأول لم يحصل مِنْهَا هَذِه الْكَلِمَات الَّتِي نسمعها لِأَن الَّتِي نسمعها حُرُوف متعاقبة فَحِينَئِذٍ لَا يكون هَذَا الْقُرْآن المسموع قَدِيما
وَإِن كَانَ الثَّانِي فَالْأول لما انْقَضى كَانَ مُحدثا لِأَن مَا ثَبت عَدمه امْتنع قدمه وَالثَّانِي لما حصل بعد عَدمه كَانَ حَادِثا
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن هَذِه الْحُرُوف والأصوات قَائِمَة بألسنتنا وحلوقنا فَلَو كَانَت هَذِه الْحُرُوف والأصوات نفس صفة الله تَعَالَى لزم أَن تكون صفة الله وكلمته حَالَة فِي ذَات كل أحد من النَّاس ثمَّ أَن النَّصَارَى لما أثبتوا
1 / 67