معالم القربة في طلب الحسبة

ابن الأخوة ت. 729 هجري
61

معالم القربة في طلب الحسبة

الناشر

دار الفنون «كمبردج»

«مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لَمْ تَكُنْ صَدَقَتُهُ كَفَّارَةً لِاحْتِكَارِهِ» . وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ»، وَقِيلَ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ نَفْسًا. وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ، وَجْهَهُ مَنْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَسَا قَلْبُهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ أَحْرَقَ طَعَامًا مُحْتَكَرًا بِالنَّارِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا لَا يَعْمِدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولُ مَالٍ مِنْ أَذْهَابٍ إلَى رِزْقٍ مِنْ أَرْزَاقِ اللَّهِ يَنْزِلُ بِسَاحَتِنَا - فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ كَيَدِهِ فِي الشِّتَاءِ، وَالصَّيْفِ فَذَاكَ، وَصْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ، وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥]، إنَّ الِاحْتِكَارَ مِنْ الظُّلْمِ، وَدَخَلَ تَحْتَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ مُطْلَقٌ، وَيَتَعَلَّقُ النَّظَرُ بِهِ فِي الْوَقْتِ، وَالْجِنْسِ أَمَّا الْجِنْسُ فَيَطَّرِدُ النَّهْيُ فِي أَجْنَاسِ الْأَقْوَاتِ أَمَّا مَا لَيْسَ بِقُوتٍ، وَلَا هُوَ مُعَيَّنٍ عَلَى الْقُوتِ كَالْأَدْوِيَةِ، وَالْعَقَاقِيرِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَأَمْثَالِهِ فَلَا يَتَعَدَّى النَّهْيُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا، وَأَمَّا مَا يُعَيَّنُ عَلَى الْقُوتِ كَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَمَا يَسُدُّ مَسَدًّا يُغْنِي عَنْ الْقُوتِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ فَهَذَا فِي مَحَلِّ النَّظَرِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ طَرَدَ التَّحْرِيمَ فِي السَّمْنِ، وَالْعَسَلِ، وَالشَّيْرَجِ، وَالْجُبْنِ، وَالزَّيْتِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ.

1 / 66