73

المبسوط

الناشر

مطبعة السعادة

مكان النشر

مصر

فَإِنَّهُ صَاحِبُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَقَالَ مَاذَا أَصْنَعُ بِجَبَائِرِي فَقَالَ امْسَحْ عَلَيْهَا». وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْغُسْلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَاءِ حَارٌّ، أَوْ بَارِدٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ أَقْوَى مِنْ الْمَسْحِ، وَلَمَّا سَقَطَ الْغُسْلُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ لِخَوْفِ الضَّرَرِ فَكَذَلِكَ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ مَسَحَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ فَإِنْ تَرَكَ الْمَسْحَ، وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ - لَمْ يُجْزِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ، وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ لَمْ يُجْزِهِ فَكَذَلِكَ الْمَسْحُ اعْتِبَارًا لِلْبَدَلِ بِالْأَصْلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْمَسْحَ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ، وَنَصْبُ الْأَبْدَالِ بِالْآحَادِ مِنْ الْأَخْبَارِ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يَجِبْ الْأَصْلُ، وَهَا هُنَا لَوْ كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ بَادِيًا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ بَدَلًا عَنْهُ، وَبِهِ فَارَقَ الْخُفَّ. قَالَ (وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْهُ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ)، وَهَذَا إذَا كَانَ سُقُوطُهَا عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ بُرْءٍ فَعَلَيْهِ غُسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَاسْتِقْبَالُ الصَّلَاةِ لِزَوَالِ الْعُذْرِ فَأَمَّا إذَا سَقَطَ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ فَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ بَاقِيَةً، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ بِخِلَافِ الْمَسْحِ بِالْخُفِّ. قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي جَانِبِ رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِقْدَارَ الْمَسْحِ)؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْمَسْحِ مِقْدَارُ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَحَلِّ صَحِيحًا فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَالْعِرَاقِيُّونَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا: إنْ ذَهَبَ عِيرٌ فَعِيرٌ فِي الرِّبَاطِ. قَالَ (وَإِذَا قَلَسَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ) إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ ثَبَتَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْقَلْسَ حَدَثٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ، وَكَثِيرِهِ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. (وَلَنَا) قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ فَقَالَ أَوْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الْقَلْسَ لَا يَكُونُ حَدَثًا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ خَارِجٌ نَجِسٌ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ، وَالْقَلْسُ مُخْرَجٌ لَا خَارِجٌ فَإِنَّ مِنْ طَبْعِ الْأَشْيَاءِ السَّيَّالَةِ أَنَّهَا لَا تَسِيلُ مِنْ فَوْقٍ إلَى فَوْقٍ إلَّا بِدَافِعٍ دَفَعَهَا، أَوْ جَاذِبٍ جَذَبَهَا فَهُوَ كَالدَّمِ إذَا ظَهَرَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ

1 / 74