51

المبسوط

الناشر

مطبعة السعادة

مكان النشر

مصر

مَا خُلِقَ مِنْهُ. قَالَ (وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ دَمٌ، أَوْ خَمْرٌ، أَوْ عَذِرَةٌ، أَوْ بَوْلٌ أَفْسَدَهُ عِنْدَنَا)، وَقَالَ مَالِكٌ ﵀ لَا يُفْسِدُهُ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ بِهِ أَحَدُ أَوْصَافِهِ مِنْ لَوْنٍ، أَوْ رِيحٍ، أَوْ طَعْمٍ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرٍ، وَهِيَ بُضَاعَةُ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهِ الْجِيَفُ، وَمَحَايِضُ النِّسَاءِ فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ». (وَلَنَا) قَوْلُهُ ﵊ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُفْسِدًا لِلْمَاءِ مَا كَانَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ مَعْنًى، وَفَائِدَةٌ، وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَاءِ تَتَغَيَّرُ بِمَا يُلْقَى فِيهِ حَتَّى يُضَافَ إلَيْهِ كَمَاءِ الزَّعْفَرَانِ، وَمَاءِ الْبَاقِلَا، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ، وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِعْمَالُهُ لِمُجَاوَرَةِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَتَفَرَّقُ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَاسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ مَاؤُهُ جَارِيًا يُسْقَى مِنْهُ خَمْسُ بَسَاتِينَ، وَعِنْدَنَا الْمَاءُ الْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ. وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ يُلْقَى فِيهِ الْجِيَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ فِي الْإِسْلَامِ نُهُوا عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَكَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ التَّنَزُّهِ، وَالتَّقَذُّرِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّوَضُّؤِ، وَالشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ يُلْقَى فِيهِ ذَلِكَ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَلْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِتَطْهِيرِ الْبِئْرِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَزَالَ إشْكَالَهُمْ بِمَا قَالَ. (وَإِنْ بَزَقَ فِي الْمَاءِ، أَوْ امْتَخَطَ لَمْ يُفْسِدْهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَاقَى طَاهِرًا)، وَالدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ الْبُزَاقِ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَعَانَ فِي مَحْوِ بَعْضِ الْكِتَابَةِ بِهِ»، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمُخَاطِ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ امْتَخَطَ فِي صَلَاتِهِ فَأَخَذَهُ بِثَوْبِهِ، وَدَلَّكَهُ»، ثُمَّ الْمُخَاطُ، وَالنُّخَامَةُ سَوَاءٌ، وَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ ﵁ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ النُّخَامَةِ قَالَ «مَا نُخَامَتُكَ، وَدُمُوعُ عَيْنَيْكَ، وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ إلَّا سَوَاءٌ». (وَإِنْ أَدْخَلَ جُنُبٌ، أَوْ حَائِضٌ، أَوْ مُحْدِثٌ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهَا قَذَرٌ لَمْ يُفْسِدْ الْمَاءَ اسْتِحْسَانًا)، وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يُفْسِدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ زَالَ عَنْ يَدِهِ بِإِدْخَالِهِ فِي الْإِنَاءِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ الَّذِي غَسَلَ بِهِ يَدَهُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِهْرَاسَ كَانَ يُوضَعُ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه ﷺ، وَفِيهَا مَاءٌ فَكَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ بِأَيْدِيهِمْ، وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى، وَضَرُورَةً فَقَدْ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَغْتَرِفُ بِهِ الْمَاءَ مِنْ الْإِنَاءِ الْعَظِيمِ

1 / 52