وأخرج الشيخان عن أنس قال: مر أبو بكر والعباس ﵄ بمجلس من مجالس الأنصار، وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصد النبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشى وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقى الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
وفي خبر حسن: كتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال في الأنصار: (اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
وفي آخر حسن أيضا أن أبا سعيد الخدري قال: قال رجل من الأنصار لصحابه: أما والله لقد كنت أحدثكم أنه قد استقامت الأمور، لقد آثر عليكم، فردوا عليه ردا عنيفا، فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فجاءهم، فقال لهم أشياء لا أعرفها، قالوا: بلى يا رسول.
قال: (فكنتم لا تركبون الخيل)، فكلما قال لهم شيئا، قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: فلما رآهم لا يردون عليه شيئا، قال: (أفلا تقولون خذلك قومك فنصرناك، وأخرجك قومك فآويناك) .
قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله، أنت تقوله.
قال: (يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: (ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، الأنصار كرشى، أهل بيتي وعيبتي التي أوبت إليها، فاعفوا عن مسيئهم، واقبلوا من محسنهم) .
وصح أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، واستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال: (إنكم يا معشر المهاجرين تزيدون، والأنصار لا يزيدون، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، أكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، فإنهم قد قضوا الذي عليهم، وبقى الذي لهم) .
وصح أيضا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خرج عاصبا رأسه فقال في خطبيته: (أما بعد. يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
وفي رواية: (إن لكل بني عيبة وعيبتي هذا الحي من الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار، والأنصار شعار، والناس دثار، فمن ملك من الأمر شيئا فليحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم) .
وفي الصحيحين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما قسم غنائم حنين فأعطى المؤلفة دون الأنصار، وبلغه عنهم ما سبق، قال لهم ما سبق، وفي آخره: (لو سلكت الناس واديا أو شعبا، وسلك الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار، وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدى أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) .
وفي البخاري: (فتجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض) .
وفيهما أن رجلا من الأنصار قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: (ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) .
وفي البخاري أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دعا الأنصار إلى أن يعطيهم البحرين، فقالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال: (إما لا، فاصبروا حتى تلقوني، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة) .
وفي حديث حسن أن أسيد بن حضير من أكابر الأنصار قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: جزاكم الله عنا خيرا يا رسول الله.
قال: (وأنتم فجزاكم الله عني خيرا ما علمت أعفة صبر) .
قال: وسمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني) .
وفي حديث حسن غريب: أن الأنصار كانوا إذا وجدوا نخلهم قسم الرجل ثمرة نصفين، أحدهما أقل من الآخر، ثم يجعلون السعف مع أقلتهما، ثم يخبرون المسلمين، فيأخذون أكثرهما، ويأخذ الأنصار أقلهما، من أجل السعف، حتى فتحت خيبر، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (قد وافيتم بالذي كان لنا عليكم، فإن شئتم أن تطيب أنفسكم بنصيبكم من خيبر، وتطيب لكم ثماركم فعلتم) .
1 / 8