92

المبدأ والمعاد

محقق

قدمه وصححه : الأستاذ السيد جلال الدين الآشتياني

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

1422 - 1380ش

أمثالهم فكيف من دونهم من أسراء عالم الحواس مع غش الطبيعة ومخالطتها ولعمري إن إصابة مثل هذا الأمر الجليل على الوجه الحق الذي هو يوافق الأصول الحكمية ويطابق القواعد الدينية متبرئا عن المناقضات ومنزها عن المؤاخذات في أعلى طبقات القوى الفكرية البشرية وهو بالحقيقة تمام الحكمة الحقة الإلهية.

ولصعوبة هذا المطلب وغموضه أنكر بعض الأقدمين من الفلاسفة علمه بشيء فضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا.

فما أشنع وأبعد من أن يدعي مخلوق لنفسه الإحاطة العلمية بجلائل الملك ودقائقه وأسرار الملكوت وحقائقه بفكره ورأيه على ما هو شأن الفلاسفة ويسلب العلم بشيء من الأشياء من خالقه الحكيم العليم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض ويجعله أنزل من الحيوانات العجم التي تعلم كثيرا من الأشياء تعالى عما يقوله الظالمون علوا كبيرا.

ومن أثبت علمه تعالى بالموجودات فهو إما أن يقول إنه منفصل عن ذاته أو لا.

والقائل بانفصاله إما أن يقول بثبوت المعدومات سواء نسبها إلى الخارج كالمعتزلة أو إلى الذهن كبعض مشايخ الصوفية مثل الشيخ العارف المحقق محيي الدين العربي والشيخ الكامل صدر الدين القونوي على ما نقل عنهم العلامة الدواني في شرح الرباعية وهو الظاهر من كلام الشيخ العربي في باب السابع والخمسين وثلاثمائة من الفتوحات المكية المعقود لمعرفة منزل البهائم حيث قال:

أعيان الممكنات في حال عدمها رائية ومرئية وسامعة ومسموعة برؤية ثبوتية وسمع ثبوتي وما لها وجود.

فعين الحق سبحانه ما شاء من تلك الأعيان فوجه عليه دون غيره من أمثال قوله المعبر عنه باللسان العربي المترجم عنه ب كن فأسمعه أمره فبادر المأمور فتكون عن كلمته لا بل كان عين كلمته ولم يزل الممكنات في حال عدمها الأزلي لها تعرف الواجب الوجود لذاته ويسبحه ويمجده بتسبيح أزلي وتمجيد قديم ذاتي ولا عين لها موجود.

انتهى.

صفحة ١٩١