وخلا به المأمون يومًا على المداعبة والمطايبة والمجاراة في ميدان الغلمان، ومترف غلام المأمون يتسمع عليهما، وهو الذي حكى هذه القصة عنه فقال المأمون: يا أبا محمد، أخبرني عن أظرف غلام مر بك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، تحاكم إلي غلام في نهاية الملاحة والظرف فأخذته عيني وتعلق به قلبي، فلم ينفصل أمره. ثم دخل علي فقال: أعني على خصمي، فقلت: من يعينني على عينيك؟ قال: شفتاي، قلت: ما بال شفتيك منشقتين؟ قال: أحلى ما يكون التين إذا تشقق. فقلت: يا بني ما أنحفك! فقال: كلما دق قصب السكر كان أحلى.
علي بن عيسى كان مقتصدًا في لباسه، وكان أبو عمر القاضي مبالغًا في لباسه والمغالاة به، فقال له علي في ذلك فقال: لباس الوزير يتجمل به وأنا أتجمل بلباسي.
وسأل حامد بن العباس علي بن عيسى وهما على الدواوين عن دواء الخمار فتلجلج وقال: لست من رجال هذه المسألة، فأقبل على أبي عمر وقال: أيها القاضي أفتينا في دواء الخمار. فتنحنح وأصلح صوته ثم ذكر إسنادًا رفعه إلى النبي ﷺ أنه قال: " استعينوا على الصناعات بأربابها ". ومن أرباب هذه الصناعة الأعشى في الجاهلية، شعر متقارب:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أني امرؤ ... أتيت المروءة من بابها
وأبو نواس في الإسلام قال هذا البيت بسيط:؟؟ دع عنك لومي فإن اللوم اغراء وداوني بالتي كانت هي الداء فقال حامد لعلي: انظر إلى قاضي القضاة استشهد بالخبر والشعر!.
ابن قريعة، ذكره الصاحب في كتاب له إلى ابن العميد فقال: شيخ ظريف خفيف الروح وله نوادر عجيبة منها أن كهلًا يتطايب بحضرة الأستاذ أبي محمد المهلبي، فسأله عن حد القفا، يريد تخجيله، فقال: ما اشتمل عليه جربانك، ومازحك فيه إخوانك، وأدبك عليه سلطانك، وباسطك فيه غلمانك، وهذه حدود أربعة.
أبو العباس بن سريج كان يقول: ما حرم الله شرًا إلا وأحل بإزائه خيرًا: حرم الميتة وأباح المذكى، وحرم الخمر وأباح النبيذ، وحرم الزنى وأباح التزويج، وحرم الربا وأباح البيع.
أبو سعيد القاضي كتب إلى ابنه عبد الحميد: قد بعثت إليك ألف جوزة، وألف من كل شيء كثير! أبو عبد الله الفارسي كان يتقلد قضاء بلخ، وكان صديق أبي يحيى العمادي، فكتب إليه يعاتبه: قد أهديت للشيخ عدل صابون ليغسل به طمعه عني، والسلام.
أبو الحسن علي بن عبد العزيز القاضي كتب في صبائه إلى بعض أصدقائه الرؤساء: هذا الفتى حضر المراد، فما بالي فيه عسر المراد؟ وتوفر مولاي غير مستزاد، فما بالي حصلت على غير زاد؟ ولي في هذه الدولة آمال أستبطئ أوقاتها ولا أخشى فواتها.
ودخل من أطال الجلوس عنده فقال: لعل القاضي يقول: أبرمت فقم! قال: لا بل أنعمت فدم!.
القاضي أبو القاسم الداودي ذكر أمير المدينة فقال: غصن من شجرة رسول الله ﷺ له جد، وسراك من أديمه قد.
أبو محمد السرخسي كان من ظرفاء فقهاء بغداد. ركب يومًا في سفينة مع بعض مياسير النصارى، فلما بسطت سفرته سأل السرخسي مساعدته، فلما فرغ من الطعام أحضر شرابًا يحكي عين الديك وفأرة المسك، وأراد أن يجد رخصة فقال: ما هذه؟ فقال: خمر شراه غلامي من يهودي. فقال: نحن أصحاب الحديث نكذب سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون، أفنصدق نصرانيًا عن غلامه عن يهودي؟ والله ما أشربها إلا لضعف الإسناد!. ومد يده إلى الكأس وملأها وشرب!.
أبو شهاب الصعلوكي دخل على أبي الحسين القاضي أولى في يوم بارد والنار توقد بين يديه فقال: أيها الفقيه إلى النار! فقال: القاضي أولى أنت أولى بها صليا! أبو سليمان الخطابي كان يقول: من أراد أن لا يفارقه شم الشمامة من غير أن يحملها معه فليبخر لحيته مستقصيًا، ثم إذا أراد شم الشمامة قبض عليها من داخل وأدناها من أنفه.
أبو نصر المقدسي ﵀ كان يقول: الموت أربعة: الفراق والشماتة والعزل ثم الموت.
وكان من دعائه: لبست النعمة، وافترشت الأمن، وتغذيت السرور، وركبت السعادة.
وكان يقول إذا رأى وجهًا " تبارك الله أحسن الخالقين ".
أبو الحسن المؤمل عن الخليل بن أحمد أنه كان يقول: أف لرئيس لا تقع الأجفان على جفانه، ولا تجتمع الإخوان على خوانه.
الباب السابع
لطائف الفلاسفة والأطباء
1 / 11