ساذجة لا يلاحظ فيها الا المعانى كان ذلك كافيا ثم ان نظر المنطقى فى الالفاظ ليس من جهة انها موجودة او معدومة او من جهة انها اعراض وجواهر او من جهة انها كيف تحدث الى غير ذلك من نظائرها بل من جهة انها دالة على المعانى ليتوصل بها الى حال المعانى انفسها من حيث انها يتألف منها شي ء يفيد علما بمجهول فلهذا قدم مباحث الدلالة وهى كون الشي ء بحالة يلزم من العلم به العلم بشي ء اخر وذلك الشي ء ان كان لفظا فالدلالة لفظية والا فغير لفظية كدلالة الخطوط والعقود والإشارات والنصب وكدلالة الأثر على المؤثر والدلالة اللفظية منحصرة بحكم الاستقراء فى ثلاثة اقسام والاستقراء كاف فى مباحث الألفاظ الدلالة الوضعية كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق والطبيعية كدلالة اخ على الوجع فان طبع اللافظ يقتضى التلفظ بذلك اللفظ عند عروض المعنى له والعقلية كدلالة اللفظ المسموع من وراء الجدار على وجود اللافظ وربما يقال فى الحضر دلالة اللفظ اما ان يكون للوضع مدخل فيها اولا والأولى الوضعية والثانية اما أن تكون بحسب مقتضى الطبع وهى الطبعية اولا وهى العقلية والمناقشة فى الأخيرة باقية فيندفع بالاستقراء ولما كانت الدلالة الطبعية والعقلية غير منضبطة تختلف باختلاف الطبائع والأفهام اختص النظر بالدلالة الوضعية وعرفها صاحب الكشف بأنها فهم المعنى من اللفظ عند اطلاقه بالنسبة الى من هو عالم بالوضع واحترز بالقيد الأخير عن الدلالة الطبعية اذ فهم المعنى فى دلالة أخ مثلا ليس للعلم بالوضع لانتفائه بل التادى الطبع اليه عند التلفظ به وعن العقلية فان دلالة اللفظ المسموع من وراء الجدار لا تتوقف على العلم بالوضع لاستواء العالم والجاهل فيه ولتحققها سواء كان اللفظ مهملا او مستعملا وانما لم يقل بالنسبة الى من هو عالم بوضعه له بل اطلق العلم بالوضع لئلا يخرج التضمن والالتزام عنه وقد اورد على التعريف شكان احدهما انه مشتمل على الدور لأن العلم بالوضع موقوف على فهم المعنى ضرورة توقف العلم بالنسبة على تصور المنتسبين فلو توقف فهم المعنى عليه لزم الدور وجوابه ان فهم المعنى فى الحال موقوف على العلم السابق بالوضع وهو لا يتوقف على فهم المعنى فى الحال والى هذا اشار الشيخ فى الشفاء حيث قال معنى دلالة اللفظ ان يكون اذا ارتسم فى الخيال مسموع اسم ارتسم فى النفس معناه فتعرف النفس ان هذا المسموع لهذا المفهوم فكلما اورده الحس على النفس التقت النفس الى معناه فكون اللفظ بحيث كلما اورده الحس على النفس التفت الى معناه هو الدلالة وذلك بسبب العلم السابق بالوضع وكون صورتيهما محفوظتين عند النفس وتقول ايضا العلم بالوضع موقوف على فهم المعنى مطلقا لا على فهم المعنى من اللفظ وهو موقوف على العلم بالوضع فلا دور الثاني ان الفهم صفة السامع والدلالة صفة اللفظ فلا يجوز تعريف إحداهما بالأخرى واستصعب بعضهم هذا الإشكال حتى غير التعريف الى كون اللفظ بحيث لو اطلق فهم معناه للعلم بوضعه والتحقيق ان هاهنا امورا اربعة اللفظ وهو نوع من الكيفيات المسموعة والمعنى الذي جعل اللفظ بازائه واضافة عارضة بينهما هى الوضع اى جعل اللفظ بازاء المعنى على ان المخترع قال اذا اطلق هذا اللفظ فافهموا هذا المعنى وإضافة ثانية بينهما عارضة لهما بعد عروض الإضافة الأولى وهى الدلالة فاذا نسبت الى اللفظ قيل انه دال على معنى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى العالم بالوضع عند اطلاقه واذا نسبت الى المعنى قيل انه مدلول هذا اللفظ بمعنى كون المعنى متفهما عند اطلاقه وكلا المعنيين لازم لهذه الإضافة فامكن تعريفها بايهما كان اذا تمهد هذا فنقول لا نسلم ان الفهم المذكور فى التعريف صفة السامع وانما يكون كذلك لو كان اضافة الفهم بطريق الأسناد وهو ممنوع بل بطريق التعلق فان معناه كون المعنى منفهما من اللفظ وهذا كما يقال اعجبنى ضرب زيد فان كان زيد فاعلا يكون معناه اعجبنى كون زيد ضاربا وان كان مفعولا يكون معناه اعجبنى كون زيد مضروبا فههنا الفهم مضاف الى المفعول وهو المعنى فالتركيب يفيد ان المراد كون المعنى منفهما من اللفظ ولا شك انه ليس صفة للسامع ثم الدلالة الوضعية اما مطابقة او تضمن او التزام وتقييد المصنف بالوضع لإخراج الطبعية والعقلية وباللفظ لإخراج غير اللفظية وبيان الحصر ان ما يدل عليه اللفظ بطريق الوضع اما تمام المعنى الموضوع له او جزئه او امر خارج عنه فان كان تمام المعنى الموضوع له فهى مطابقة لتطابق اللفظ والمعنى وان كان جزء المعنى الموضوع له فهى تضمن لأنه فى ضمن المعنى الموضوع له وان كان امرا خارجا فهى التزام لأنه لازمه لكن يجب ان يقيد الكل بقولنا من حيث هى كذلك لئلا ينتقض حدود الدلالات بعضها ببعض فان من الجايز ان يكون اللفظ مشتركا بين الكل والجزء كاشتراك الإمكان بين مفهوميه العام والخاص وان يكون مشتركا بين الملزوم واللازم كاشتراك الشمس بين الجرم والنور فلو لم يقيد حد دلالة المطابقة لانتقض بدلالة التضمن والالتزام اما انتقاضه بدلالة التضمن فلأنه اذا اطلق لفظا الإمكان واريد به الامكان الخاص يكون دلالته على الامكان العام بالتضمن لا بالمطابقة مع انه يصدق عليها انها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له لكنها ليست من حيث هو ما وضع له بل جزئه حتى لو فرض ان لفظ الامكان ما وضع اصلا لمفهوم الامكان العام كانت تلك الدلالة متحققة واما انتقاضه بالالتزام فلأنه اذا اطلق لفظ الشمس واريد به الجرم كان دلالته على النور التزامية لا مطابقة مع انه موضوع له ولا انتقاض عند التقييد لان تلك الدلالة ليست من حيث هو موضوع له بل من حيث هو لازمه وكذلك لو لم يقيد حدا دلالتى التضمن والالتزام لانتقضا بدلالة المطابقة اما التضمن فلأنه اذا اريد من لفظ الإمكان الامكان العام تكون دلالته عليه مطابقة مع انه جزء ما وضع له ولا انتقاض اذا قيد لأنها ليست من حيث هو جزء واما الالتزام فلأنه اذا اريد من لفظ الشمس النور فالدلالة مطابقة وهو لازم ما وضع له لكن ليست من حيث هو لازم هكذا وجه الشارحون هذا الموضع وفيه نظر لأنا لا نسلم ان اللفظ المشترك عند ارادة معنى الكل او الملزوم لا يدل على الجزء او اللازم بالمطابقة غاية ما فى الباب انه يدل عليه دلالتين من جهتين ولا امتناع فى ذلك وكذلك فى التضمن والالتزام لا يقال دلالة اللفظ على المعنى المطابقى انما يتحقق اذا اريد ذلك المعنى اذا اللفظ لا يدل بحسب ذاته والا لكان لكل لفظ حق من المعنى لا يجاوزه بل بالإرادة الجارية على قانون الوضع او لا ترى ان اللفظ المشترك ما لم يوجد فيه قرينة ارادة احد معانيه لا يفهم منه معنى لأنا نقول هب ان دلالة اللفظ ليست ذاتية لكن ليس يلزم منه ان تكون تابعة للإرادة بل يحسب الوضع فانا نعلم بالضرورة ان من علم وضع لفظ لمعنى وكان صورة ذلك اللفظ محفوظة له فى الخيال وصورة المعنى مرتسمة فى البال فكلما تخيل ذلك اللفظ تعقل معناه سواء كان مرادا اولا واما المشترك فلا شك ان العالم بوضعه لمعاينه يتعقلها عند اطلاقه نعم تعيين ارادة اللافظ موقوف على القرينة لكن بين ارادة المعنى ودلالة اللفظ عليه بون بعيد وتوجيه الكلام فى هذا المقام ان للفظ المشترك دلالة على الجزء بالمطابقة والتضمن وعلى اللازم بالمطابقة والالتزام فاذا اعتبر دلالة على الجزء بالتضمن وعلى اللازم بالالتزام يصدق عليها انها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له فينتقض حد المطابقة بهما ولو قيد بالحيثية اندفع النقضان لأنها دلالة اللفظ المركب داخلة فيه اذا المعنى من وضع اللفظ للمعنى وضع عينه لعينه او اجزائه لأجزائه بحيث يطابق اجزاء اللفظ اجزاء المعنى ودلالة هيئة التركيبات بالوضع ايضا
صفحة ٣٠