من الحيثية المذكورة فلو جعل موضوعه التصورات والتصديقات يكون البحث عن نفس موضوعه لا عن عوارضه لانا نقول الحيثية المذكورة داخلة فى المسائل خارجة عن الموضوع فان اعتبرت الحيثية المذكورة على انها خارجة عن التصديقات لم تكن مبحوثا عنها وان اعتبرت على انها داخلة لم يلزم ان يكون البحث عن نفس الموضوع لخروجها عن التصورات والتصديقات التي هى موضوعات هذا تقرير كلامهم وفيه نظر لانهم ان ارادوا بان المنطقى يبحث عن الكلية والجزئية والذاتية والعرضية انه يبين تصوراتها فهو ليس من المسائل وذلك ظاهر وان ارادوا التصديق بها للأشياء فهو ليس من المنطق فى شي ء لا يقال المنطقى يبحث عن ان الكلى الطبعى موجود فى الخارج والنوع ماهية محصلة والجنس ماهية مبهمة والفصل علة للجنس واللازم البين وغيره موجودان فى الخارج الى غير ذلك مما ليس بحثا عن المعقولات الثانية لانا نقول لا نسلم انها من مسائل المنطق فان بحثه اما عن الموصلات الى المجهولات او عما ينفع فى ذلك الإيصال ومن البين ان لا دخل لها فى الايصال اصلا بل انما يبحث عنها اما على سبيل المبادى او على جهة تتميم الصناعة بما ليس منها او لإيضاح ما يكاد يخفى تصوره على اذهان المتعلمين على انهم ان عنوا بالمعلومات التصورية والتصديقية ما صدقتا عليه من الافراد يلزم ان يكون جميع المعرفات والحجج فى سائر العلوم بل فى جميع المعلومات التي من شأنها الإيصال موضوع المنطق وليس كذلك ضرورة أن المنطقى لا يبحث عنها اصلا وان عنوا بهما مفهوميهما يلزم ان لا يكون المنطق باحثا عن الاعراض الذاتية لهما لأن محمولات مسائله لا يلحقهما من حيث هما هما بل لأمر اخص فان الانقسام الى الجنس والفصل لا يعرض المعلوم التصورى الا من حيث انه ذاتي والإيصال الى الحقيقة المعرفة لا يلحقه الا لأنه حد وكذا الانعكاس الى السالبة الضرورية لا يعرض المعلوم التصديقى الا لأنه سالبة ضرورية وانتاج المطالب الأربعة لا يلحقه الا من حيث انه مرتب على هيئة الشكل الأول الى غير ذلك وليس لك ان تورد هذا السؤال على المعقولات الثانية فان البحث عن احوالها من حيث تنطبق على المعقولات الأولى وكان القانون المذكور فى تعريف المنطق يعرفك هذا القيد فلا تغفل عن النكتة قال والموصل قريبا الى التصور اقول قد تبين ان المنطق اما ناظر فى الموصل الى التصور ويسمى قولا شارحا لشرحه ماهية الشي ء واما ناظر فى الموصل الى التصديق ويسمى حجة لغلبة من تمسك بها من حجة اذا غلبه والنظر فى الموصل الى التصور اما فى مقدماته وهو باب ايساغوجى واما فى نفسه وهو باب التعريفات وكذلك النظر فى الموصل الى التصديق اما فيما يتوقف عليه وهو باب باري أرمينياس واما فى نفسه باعتبار الصورة وهو باب القياس وباعتبار المادة وهو باب من ابواب الصناعات الخمسة لأنه ان اوقع ظنا فهو الخطابة او يقينا فهو البرهان والا فان اعتبر فيه عموم الاعتراف او التسليم فهو الجدل والا فهو المغالطة واما الشعر فهو لا يوقع تصديقا ولكن لإفادته التخييل الجارى مجرى التصديق من حيث انه يؤثر فى النفس قبضا وبسطا عد فى الموصل الى التصديق وربما يضم اليها باب الألفاظ فيحصل الأبواب عشرة تسعة منها مقصودة بالذات وواحد مقصود بالعرض ثم لا بد من النظر فى ترتيب الأبواب وإن ايها يقدم وايها يؤخر فنقول ابواب الموصل الى التصور يستحق التقديم بحسب الوضع لأن الموصل الى المتصور التصورات والموصل الى التصديق التصديقات والتصور مقدم على التصديق طبعا فيجب تقديمه وضعا ليوافق الوضع الطبع ولما توقف بيان تقديم التصور بحسب الطبع على مقدمتين إحداهما ان التصديق موقوف على التصور وثانيتهما ان التصور ليس علة له لأن التقدم الطبعى هو ان يكون المتقدم بحيث يحتاج اليه المتاخر ولا يكون علة له وكان بيان المقدمة الثانية ظاهرا تركه المصنف واشتغل بالمقدمة الأولى وبيانها ان التصديق لا يتحقق الا بعد تصور المحكوم عليه وبه والحكم لأنه كلما كان احد هذه الأمور مجهولا امتنع الحكم بالارتباط وكلما امتنع الحكم بالارتباط امتنع تحقق التصديق لأن الحكم اما جزئه او نفسه ينتج انه كلما كان احد هذه الأمور مجهولا امتنع تحقق التصديق وينعكس بعكس النقيض الى قولنا كلما تحقق التصديق فلا بد ان يتحقق تصور كل واحد من الأمور الثلاثة فلئن قلت التصديق ليس يتوقف على تصور الحكم بل على نفسه اجيب عنه بان الحكم فعل من افعال النفس الاختيارية وقد تقرر فى الحكمة ان كل فعل اختيارى لا يوجد الا بعد تصوره ولا يلزم منه ان يكون اجزاء التصديق زائدة على الأربعة لجواز ان يكون شرطا على ما صرح به الكاتبى فى بعض تصانيفه والحق فى الجواب ان الحكم فيما بين القوم مقول بالاشتراك تارة على ايقاع النسبة الإيجابية وانتزاعها اعنى ثبوت احد الأمرين للآخر او عنده او منافاته اياه واخرى على نفس النسبة واستعماله فى الموضعين بالمعنيين تنبيه على ذلك وليس يعتبر فى الحكم على الشي ء تصور المحكوم عليه وبه والحكم بحقائقها بل يكفى حصول فان قيل الحكم على الشي ء لو استدعى تصوره بوجه ما صدق المجهول مطلقا يمتنع الحكم عليه وهو كاذب لان المحكوم عليه فيه ان كان مجهولا مط تناقض فكذب وان كان معلوما من وجه وكل معلوم من وجه
صفحة ٢٣