فضةٍ، ومِلاطُها (^١) المِسْكُ الأذفَرُ، وحَصْباؤها اللؤلؤ والياقوتُ، وتربتُها الزَّعفرانُ. وقد رُوي أيضًا هذا عن النَّبيِّ ﷺ من حديث ابن عُمَرَ مرفوعًا، أخرجه (^٢) الطبرانيُّ. فهذه أربعةُ أشياءَ:
أحدها: بناءُ الجنَّةِ، ويُحتملُ أن المرادَ بُنيانُ قُصورِها ودُورِها، ويُحتملُ أنْ يرادَ بناءُ حائطِها وسورِها المحيطِ بها وهو أشبَهُ. وقد روي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا وهو أَشبه: "حائطُ الجنَّةِ لَبِنِةٌ من فضةٍ، ولَبِنِةٌ مِن ذَهَبٍ، ودرجُها الياقوتُ واللؤلؤ". قال (^٣): وكنَّا نتحدَّثُ أنَّ رَضْرَاضَ (^٤) أنهارِها اللؤُلؤ وترابها الزَّعفران (^٥). وفي "مسند البزار" عن أبي سَعِيدٍ مرفوعًا: "خَلَقَ اللهُ الجنَّةَ لَبِنَةً مِن فضةٍ ولَبِنَةً مِن ذَهَبٍ، ومِلاطُها المِسْكُ (^٦)، فقال لها تكلَّمِي، فقالتْ: قد أفلَحَ المؤمنون، فقالَتْ الملائكةُ: طُوبَى لكِ منزِل الملوكِ (^٧) ".
ومِمَّا يبيِّنُ أن المرادَ ببناءِ الجنَّةِ في هذه الأحاديث بناءُ سورِها المحيطِ بها ما في "الصحيحين" عن أبي موسى، عن النَّبيِّ ﷺ، قال: "جَنَّتَانِ مِن ذَهَبٍ، آنيتُهُما وما فيهما، وجنَّتانِ مِن فِضَّةٍ آنيتهُما وما فيهما (^٨).
وقد رُوِي عن أبي موسى مرفوعًا وموقوفًا: "جنَّتانِ مِن ذَهَبٍ للمقرَّبينَ، وجنَّتانِ
_________
(^١) المِلاط: الطين الذي يُجعل بين سافَي البناء ويُملَطُ به الحائط. ومسك أذفر: طيب الريح.
(^٢) في ع، ش: "خرَّجه".
(^٣) لفظ "قال" لم يرد في (آ).
(^٤) الرَّضراضُ: الحَصَى الذي يجري عليه الماء.
(^٥) الزعفران: نبات صبغي طبّي مشهور.
(^٦) قوله ﷺ: "وملاطها المسك" ليس في نص الحديث عند البزار، وإنما أدرجها المؤلف فيه من الحديث المتقدم.
(^٧) ذكره الهيثمي في "كشف الأستار عن زوائد البزار" ٤/ ١٨٩ وفي سنده سعيد بن إياس الجريري ثقة اختلط قبل موته بثلاث سنين، وباقي رجاله ثقات. ولفظ الحديث عنده: "خلق الله ﵎ الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وغرسها، وقال لها: تكلّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فدخلتها الملائكة، فقالت: طوباكِ منزل الملوك".
(^٨) قطعة من حديث رواه البخاري رقم (٧٤٤٤) في التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، ومسلم رقم (١٨٠) في الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ﷾. وفي الأصول: "وآنيتهما" في الموضعين، وما أثبته من مصادر التخريج. ورواه أيضًا أحمد في "المسند" (٤/ ٤١١ و٤١٦)؛ والترمذي رقم (٢٥٢٨) في صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة؛ وابن ماجه رقم (١٨٦) في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية.
1 / 63