لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف
محقق
ياسين محمد السواس
الناشر
دار ابن كثير
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٢٠ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
التصوف
دَخَلَ بها صاحبُها الجنَّةَ. قاله سعيدُ بن جبيرٍ وغيرُه. وفيه حديثَ مرفوعٌ خرَّجَه الحاكِمُ (^١) من حديثِ ابن عباسٍ مرفوعًا، فيحتمل أن يقالَ في الصوم: أنَّه لا يَسقُطُ ثوابُهُ بمقاصَّةٍ ولا غيرِها، بل يوفَّرُ أجرُه لصاحبِهِ حتَّى يدخُلَ الجنَّةَ، فيوفَّى أجرُه فيها.
وأمَّا قولُه: "فإنَّه لي"، فإنَّ الله خَصَّ الصِّيامَ بإضافتِه إلى نفسِهِ دونَ سائرِ الأعمالِ، وقد كَثُر القولُ في معنى ذلك مِن الفقهاءِ والصُّوفية وغيرِهم، وذكَروا فيه وُجوهًا كثيرةً. ومِن أحسنِ ما ذُكِرَ فيه وجهان:
أحدُهما: أن الصِّيامَ هو مُجَرَّدُ تَرْكِ حُظُوظِ النَّفْس وَشَهَواتِها الأصليةِ التي جُبِلتْ على الميل إليها للهِ ﷿، ولا يوجدُ ذلك في عَبادةٍ أخرى غير الصِّيام؛ لأنَّ الإحرامَ إنَّما يُترَكُ فيه الجماعُ ودواعيهِ مِن الطِّيب دونَ سائرِ الشَّهواتِ؛ من الأكل والشربِ، وكذلك الاعْتِكافُ مع أنه تابعٌ للصِّيامِ.
وَأَمَّا الصَّلاةُ فإنَّه وانْ تَرَكَ المصلِّي فيها جميعَ الشهواتِ إلَّا أن مدَّتها لا تَطولُ، فلا يَجِدُ المصلِّي فَقْدَ الطَّعامِ والشَّرابِ في صلاتِه، بل قد نُهِيَ أنْ يُصلِّي ونفسُه تتوقُ (^٢) إلى طعامٍ (^٣) بحضرتِهِ حتى يتناولَ منه ما يُسكِنُ نَفْسَه، ولهذا أُمِرَ بتقديمِ العَشاءِ على الصَّلاةِ.
وذهبت طائفةٌ مِن العلماء إلى إباحة شرب الماءِ في صلاة التطوُّع، وكان ابنُ الزبير يفعلُه في صلاتِهِ، وهو روايةٌ عن الإمامَ أحمدَ، وهذا بخلافِ الصِّيامِ؛ فإنَّه يَسْتَوعِبُ النَّهارَ كُلَّه، فيجِدُ الصَّائمُ فَقْدَ هذه الشهوَاتِ، وتتوقُ (٢) نفسُه إليها، خصوصًا في نهارِ الصَّيفِ؛ لشدَّةِ حرِّهِ وطُولهِ، ولهذا رُوِي أن مِن خِصالِ الإيمانِ الصَّومَ في الصَّيْفِ، وقَدْ كانَ رسولُ اللهِ يكوَنِ يَصُومُ رَمَضانَ في السَّفَرِ في شِدَّةِ الحرِّ دونَ أصحابِهِ، كما قال أبو الدَّرداء: "كُنَّا معَ النبيِّ ﷺ في رَمَضَانَ في سَفَرٍ وأحدُنا يَضَعُ يَدَهُ على رأسِهِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وما فينا صائمٌ إلَّا رسولُ الله ﷺ وعبدُ الله بنُ رَواحة" (^٤).
(^١) المستدرك ٤/ ٢٥٢.
(^٢) في ب، ط: "تشوق".
(^٣) في آ، ع: "إلى الطعام".
(^٤) أخرجه البخاري رقم (١٩٤٥) في الصوم: باب (٣٥). ومسلم رقم (١١٢٢) (١٠٨) و(١٠٩) في الصيام: باب التخيير في الصوم والفطر في السفر.
1 / 287