194

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف

محقق

ياسين محمد السواس

الناشر

دار ابن كثير

رقم الإصدار

الخامسة

سنة النشر

١٤٢٠ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التصوف
وطفِقَ يُودِّعُ الناسَ، فقالوا: هذه حَجَّةُ الوَدَاع. فلمَا رَجَعَ مِن حجَّتِهِ إلى المدينةِ جَمَعَ الناسَ بماءٍ يُدْعَى خُمًّا (^١) في طريقِهِ بينَ مَكَّةَ والمدينَةِ، فخطَبَهُم وقال: "أيها الناسُ: إنما أنا بَشَرٌ، يُوشِكُ أنْ يأتِيَنِي رسولُ ﷺ فأُجِيبَ" (^٢) ثُمَّ حَضَّ على التمسكِ بكتاب اللُهِ، ووَصَّى بأهلِ بيتِه. ثمَّ إنه لمّا بَدَأ بهِ مَرَضُ المَوْتِ خُيِّرَ بينَ لِقاءِ اللَّهِ ﷿ وبينَ زَهْرَةِ الدُّنيا والبقاءِ فيها ما شاءَ الله، فاخْتَارَ لِقَاءَ اللُهِ، وخَطَبَ النَّاسَ وأشَارَ إليهم بذلك إشارةً مِن غيرِ تَصْرِيحٍ. وكان ابتداءُ مَرَضِهِ في أواخِر شَهْرِ صَفَرَ، وكانَتْ مُدَّةُ مَرَضِهِ ثلاثَةَ عَشَرَ يومًا في المشهور. وقيل: أربَعَةَ عَشَرَ يومًا. وقيلَ: اثنَا عَشَرَ يومًا. وقيلَ: عشرةُ أيام، وهو غَريبٌ. وكانَتْ خطبتُه التي خَطَب بها الناسَ (^٣) في حديثِ أبي سعيدٍ هذا الذي نتكلمُ عليه هاهنا في ابتداءِ مَرَضِهِ. ففي "المسند" و"صحيح ابن حبان"، عن أبي سعيد الخدري، قال: خَرَجَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ في مرضِهِ الذي ماتَ فيه وهو مَعْصُوبُ الرأسِ، فقامَ على المِنْبَر، فقال: "إن عَبْدًا عُرِضَتْ عليه الدنيا وزينتُها، فاخْتَارَ الآخِرَةَ". قال: فَلَمْ يَفطَنْ لها أحَد مِنَ القَوْم إلَّا أبو بَكْرٍ، فقال: بأبي وأُمِّي، [بل] (^٤) نَفْدِيكَ بأموالنا وأنفسِنا وأولادِنا. قال: ثمَّ هَبَطَ عن المنبر فما رُئِيَ عليه حتَّى السّاعَةَ (^٥). وفي المسند عن أبي مُويهِبَة، أن النَّبيَّ ﷺ خَرَجَ ليلةً إلى البَقِيعِ، فاسْتغْفَر لأهل البَقيعِ، وقال: "لِيَهْنِكُم ما أصْبَحْتُم فيه مِمَّا أصبَحَ فيه النَّاسُ، أقبلَتِ الفِتَنُ كقِطَعِ اللَّيل المُظلِمِ، يتبَعُ بعضُها بعضًا، يتبَعُ آخرُها أوَّلَها، الآخِرَةُ شَرٌّ مِن الأولَى". ثمَّ

(^١) خُمٌّ: واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول اللّه ﷺ. (ياقوت). (^٢) قطعة من حديث رواه مسلم رقم (٢٤٠٨) في فضائل الصحابة، من حديث زيد بن أرقم ﵁. (^٣) لفظة: "الناس" زيادة من نسخة (آ). (^٤) زيادة من (ب، ش، ع). (^٥) رواه أحمد في "المسند" ٣/ ٩١ من حديث أبي سعيد الخدري، ﵁. وهو حديث صحيح. وهو بمعناه، في الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري ﵁.

1 / 201