خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
الناشر
دار صادر
مكان النشر
بيروت
ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف بِالْمَدِينَةِ فَجْأَة قيل سَبَب مَوته أَن شيخ الْحرم الْمدنِي ألزم أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وخطباءهم أَن يسروا فِي الصَّلَوَات بالبسملة كالحنفية فَلم يمتثل الخيارى وَقَالَ هَذَا الْأَمر لَيْسَ إِلَيْك فَدس إِلَيْهِ من سقَاهُ السم وَدفن بِالبَقِيعِ
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالسؤالاتي الأديب الشَّاعِر الْجيد الطَّرِيقَة الْحسن البديهة كَانَ فِي ريعان عمره وعنفوان أمره يشْتَغل بصناعة النّظم فيبدي كل معنى نَادِر ويخترع كل مثل سَائِر كَقَوْلِه
(تقمص ثوب اللاذ من فَوق لُؤْلُؤ ... ورصع بالدر الجمان بديدا)
(والبسني مرط النحول مخلقا ... وَأعد مني برد الشَّبَاب جَدِيدا)
(غزال كناس لَو رَأَتْهُ من السما ... كواكبها خرت إِلَيْهِ سجودا)
وَقَوله
(إِن الغزال الَّذِي فِي طرفه حور ... فِي مرشفيه سلاف الراح والحبب)
(حارت لرُؤْيَته الْأَبْصَار حِين بدا ... غُصْن الْجمال حلاه اللطف وَالْأَدب)
(مَا مَال من هيف مياس قامته ... إِلَّا عَلَيْهِ فؤاد الصب يضطرب)
(دارت إِلَيْهِ قُلُوب الْعَالمين فَمَا ... قلب لغير هَوَاهُ الْيَوْم يَنْقَلِب)
وَقَوله
(حتام يَا ظَبْي النقا ... عني تحجب فِي كناسك)
(لَا تنأ عَن عَيْني وتهجرني ... قلى من دون ناسك)
(أَنا عبد رقك أرتجيك ... وأختشي سطوات باسك)
(لَا تَبْغِ بالأعراض قَتْلَى ... واسقني بحياة راسك)
وَقَوله
(بِي أغيد تشخص الْأَبْصَار حِين بدا ... فِي طلعة جلّ من بالْحسنِ عدلها)
(كَأَنَّمَا الْحسن لما زَان صورته ... قد قَالَ لِلْحسنِ كن وَجها فَكَانَ لَهَا)
وتلاعبت بِهِ الأقدار يمنة ويسرة وقاسى من ضنك الْعَيْش وَسُوء المنقلب أحوالًا وأهوالًا وصبر على ألم المحنة صبرا لم يعْهَد مثله وَفِي ذَلِك يَقُول
(تصبر فَفِي اللأواء قد يحمد الصَّبْر ... وَلَوْلَا صروف الدَّهْر لم يعرف الْحر)
(وَإِن الَّذِي أبلى هُوَ العون فَانْتدبَ ... جميل الرضى يبْقى لَك الذّكر وَالْأَجْر)
(وثق بِالَّذِي أعْطى ولاتك جازعًا ... فَلَيْسَ بحزم أَن يروعك الضّر)
(فَلَا نعم تبقى وَلَا نقم وَلَا ... يَدُوم كلا الْحَالين عسر وَلَا يسر)
(تقلب هَذَا الْأَمر لَيْسَ بدائم ... لَدَيْهِ مَعَ الْأَيَّام حُلْو وَلَا مر)
وسافر آخرا إِلَى الرّوم وَجرى لَهُ مَعَ أدبائها محاورات مَقْبُولَة كَانَ كثيرا مَا يلهج
1 / 28