خزانة الأدب وغاية الأرب
محقق
عصام شقيو
الناشر
دار ومكتبة الهلال-بيروت
رقم الإصدار
الطبعة الأخيرة ٢٠٠٤م
مكان النشر
دار البحار-بيروت
سبحان المانح والله من لا يتعلم الأدب من هنا فهو من المحجوبين عن إدراكه.
وكتب إليه الشيخ صلاح الدين الصفدي قصيدة ضمن فيها أعجاز معلقة امرئ القيس، وصرح في براعتها بغليظ العتب، ولم يأت في البراعة بإشارة لطيفة يفهم منها القصد، بل صرح وقال:
أفي كل يوم منك عتب يسوءني ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
فأجابه الشيخ جمال الدين بقصيدة ضمن فيها الأعجاز المذكورة، وبراعة استهلالها:
فطمت ولائي ثم أقبلت عاتبًا ... أفاطم مهلًا بعض هذا التدلل١
والإشارة بقوله: أفاطم مهلًا بعض هذا التدلل، لا يخفى على حذاق الأدب ما مراده منها، وفي هذا القدر كفاية، وما أحلى ما قال بعده، وهو مما قصده في تلك الإشارة.
فدونك عتب اللفظ ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل٢
وهنا بحث وهو أني وقفت على بديعية الشيخ شمس الدين، أبي عبد الله محمد بن جابر الأندلسي، الشهيرة "ببديعية العميان" فوجدته قد صرح في براعتها بمدح النبي ﷺ، وهي:
بطيبة انزل ويمم سيد الأمم ... وانثر له المدح وانثر طيب الكلم٣
فهذه البراعة ليس فيها إشارة تشعر بغرض الناظم وقصده، بل أطلق التصريح ونثر المدح ونثر طيب الكلم، فإن قال قائل: إنها براعة استهلال، قلت: إن البديعية لابد لها من براعة وحسن مخلص وحسن ختام، فإذا كان مطلع القصيدة مبنيًّا على تصريح المدح، ولم يبق لحسن التخلص محل ولا موضع، ونظم هذه القصيدة سافل، بالنسبة إلى طريق الجماعة، غير أن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبا جعفر الأندلسي، شرحها شرحًا مفيدًا.
وهنا فائدة وهو أن الغزل، الذي يصدر به المديح النبوي، يتعين على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدب ويتضاءل وتشبب، مطربًا بذكر سلع ورامة وسفح العقيق والعذيب
_________
١ فطمت: قطعت - فاطم: ترخيم: فاطمة.
٢ نصته: أظهرته وأبرزته - معطل: خال من الحلي.
٣ يمم: توجه صوب - سيد الأمم: النبي محمد ﷺ الكلم: من الكلام أطيبه وأبلغه.
1 / 36