بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة المصنف)
قال الإمام أبو عبد الله، محمد بن علي بن الحسن بن بشر، الحكيم الترمذي، رحمه الله: الحمد لله، رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى آله أجمعين.
أما بعد: فإنك ذكرت البحث في ما خاض فيه طائفة من الناس في شأن الولاية؛ وسألت عن شأن الأولياء ومنازلهم وما يلزم من قبولهم. وهل يعرف الولي نفسه أم لا؟ وذكرت أن ناسا يقولون: أن الولاية مجهولة عند أهلها. ومن حسب نفسه وليا وهو بعيد عنها.
فاعلم أن هؤلاء الذين يخوضون في هذا الأمر، ليسوا من هذا الأمر في شيء. إنما هم قوم يعتبرون شأن الولاية من طريق العلم، ويتكلمون بالمقاييس وبالتوهم من تلقاء أنفسهم؛ وليسوا بأهل خصوص من ربهم؛ ولم يبلغوا منازل الولاية ولا عرفوا صنع الله. إنما كلامهم في الصدق، ومعيارهم في الأمور الصدق. فإذا صاروا إلى المنن انقطع كلامهم، وعجزوا عن معرفة صنع الله بالعبد. لأنهم عجزوا عن معرفته، ومن عجز عن معرفة الله تعالى كان عن معرفة صنايعه أعجز. فلذلك يصير كلامه جزافا في العاقبة.
الفصل الأول ولي حق الله
والأولياء عندنا على صنفين: صنف أولياء حق الله، وصنف أولياء الله. وكلاهما يحسبان أنهما أولياء الله.
فأما ولي حق الله فرجل أفاق من سكرته. فتاب إلى الله تعالى، وعزم على الوفاء لله تعالى بتلك التوبة. فنظر إلى ما يراد له في القيام بهذا الوفاء فإذا هي حراسة هذه الجوارح السبع: لسانه وسمعه وبصره ويده ورجله وبطنه وفرجه. فصرفها من باله، وجمع فكرته وهمته في هذه الحراسة، ولها عن كل شيء سواها، حتى استقام. فهو رجل مؤدي الفرائض حافظ للحدود، لا يشتغل بشيء غير ذلك. يحرس هذه الجوارح حتى لا ينقطع الوفاء لله تعالى بما عزم عليه. فسكنت نفسه، وهدأت جوارحه.
صفحة ٥