الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري

أحمد بن إسماعيل الكوراني ت. 893 هجري
33

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري

محقق

الشيخ أحمد عزو عناية

الناشر

دار إحياء التراث العربي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، ــ فإن قلت: نُقل عن القاضي عياض أنه: لم يَشْكَّ في رسالته بعد إتيان المَلَك؟ قلتُ: مودودٌ بما ذكرنا من الأحاديث. (خديجة) بنت خُويلد -بضم الخاء على وزن المصغر-: ابن أسد بن عبد العزى بن قُصي، تزوّجها رسول الله ﷺ وهو ابنُ خمسٍ وعشرين سنة وهي بنت أربعين سنةً، ولم يتزوج عليها ما دامت حيةً، توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، وستأتي مناقبها في الكتاب، في المناقب. (فيتزوَّد لمثلها) أي: لمثل تلك الليالي (حتى جاءه الحق) أي: حامل الوحي، وأشار بالحق إلى أنه الدينُ الثابت إلى آخر الدهر، من: حقَّ الشيءُ إذا ثَبَتَ، أو الحق الذي هو ضدّ الباطل من الكهانة وغيرها (فجاءه المَلَكُ) تفصيلٌ لكيفية مجيء الحق نحو: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ﴾ [هود: ٤٥] ففي رواية لمسلم: فَجِئه -بفتح الفاء وكسر الجيم- من المفاجاة أي: جاء بغتةً من غير سبقِ إشعار، (فقال: اقرأ) قلتُ: (ما أنا بقارئ) وفي بعضها: "قال" بدل "قلتُ" على أنه كلام خديجة حكايةً عن حاله. و"ما" نافية، نفى كونه قارئًا وقيل: استفهامية ولا معنى لها. والاستدلالُ عليها برواية: "ما أقرأُ؟ " ليس بشيء، لأنها نافية أيضًا، ولم سُلِّم فلا دلالةَ. أو يكون قد قال ذلك. وهذا أيضًا كما روي أنه قال: "كيف أقرأُ؟ " فلا منافاة. والظاهر في القصر أنه قصرُ إفرادٍ؛ فإن رسول الله ﷺ حَمَل كلامه على أنه ظنه قارئًا كسائر الناس، فقال أنا الذي مقصور على عدم القراءة، فإن المسند إليه إذا وَليه حرفُ النفي نحو: ما أنا قلتُ، هذا يفيد ثبوت القول، وأنت تنفيه عنك. وحَمَله بعضُهم على التقوى، لأن القصر يفيد ردّ المخاطب من الخطأ إلى الصواب، ولا يتصور ذلك في جبريل ﵇، وتكلّف آخرون في توجيه القَصْرِ بما لا يُرْتَضى. وكل ذلك خبطٌ؛ لأنه لم يَدْرِ أنه مَلَك فضلًا عن كونه جبريل. (فأخذني فغطَّني) الغَطّ أصله: الغوص في الماء، أُريدَ به العصر الشديد. قيل: إنما

1 / 39